استمع خيري منصور الإرهاق العاطفي كما يصفه علم النفس هو ما يحدث للإنسان بعد تعرضه للإلحاح المتكرر أو بعد انتظار طويل كالذي وصفه الكاتب صموئيل بيكت في مسرحيته الشهيرة بانتظار غودو، وقد يتصور بعض الناس أن الإرهاق العاطفي يقتصر على حالات فردية وانفعالات ذاتية لا علاقة لها بالسياسة، والحقيقة أن السياسة وما يعبر عنها من إعلام تتسبب أحياناً في إرهاق وتوتر يشمل شعباً بأسره، وقد جرب الفلسطينيون هذا النمط من الإرهاق، لأنه قيل لهم عشية الهجرة الأولى عام 1948 إنهم سيعودون بعد أسابيع أو شهور، ثم انتظروا أكثر من ستة عقود، وأصبحوا غير قادرين على تصديق أي وعدٍ لهم بالعودة. وما يعيشه العرب الآن يقدم نموذجاً آخر من الإرهاق العاطفي حيث لم تحسم ست سنوات قضايا وأزمات معلقة، ومن قيل لهم إنهم سيعودون إلى أوطانهم بعد شهر على الأكثر أنجبوا أطفالاً في منافيهم ومنهم من تأقلم بعد أن يئس من العودة ورأى الآفاق مسدودة! ما أشبه الليلة بالبارحة، على الأقل من حيث الهجرة والعودة. وفي الماضي القريب كانت مفردات مثل اللجوء والنزوح حكراً على الدراما الفلسطينية. لكن ما حدث هو أن عدد اللاجئين والنازحين العرب من ديارهم بلغ أضعاف عدد الفلسطينيين رغم اختلاف أسباب التهجير، ولا ندري لماذا يأخذ الكلام عن معاناة اللاجئين العرب النصيب الأكبر في كل ما يعقد من ندوات وتحديد المعاناة في ثالوث المأكل والمأوى والتعليم، ويغيب البعد السايكولوجي الذي بدونه تصبح كل الأطروحات عن الهجرة ناقصة. ونذكر أن فريق بحث من أكاديميين فلسطينيين عام 1967 زار مخيمات في الأردن ولبنان وحاول استكمال هذا البعد النفسي المغيَّب من خلال استطلاعات، ثم انتهى فريق البحث إلى اليأس من إتمام هدفه، لأن المهاجرين يقدمون إجابات جاهزة ومعلبة، ونادراً ما يعترفون بما يعانونه فعلاً على المستوى النفسي، لأن الإنسان لا يعيش بالخبز وحده. إن حالة الإرهاق العاطفي التي يعيشها كثير من العرب قد تؤدي إلى اليأس بحيث يبدو الانتظار عقيماً وأشبه بانتظار غودو في مسرحية بيكت. فالسياسة ليست تحليل أحداث فقط، إن لها أبعاداً سايكولوجية وانثروبولوجية هي بيت الداء!
مشاركة :