مع تصاعد أدخنة المعارك وأزيز الرصاص تزداد مهمة المراسل الجنرال التباسا، هنا سوف تتضح الانحيازات التي لا علاقة لها بأصل المهنة الإعلامية ولا بوظيفة الجنرال. العربطاهر علوان [نُشرفي2016/11/29، العدد: 10470، ص(18)] الحروب المشتعلة في العالم العربي وخاصة في أربع دول على الأقل وهي سوريا والعراق واليمن وليبيا تتصدر يوميا أخبار الوكالات، وهناك تطورات على مدار الساعة. وهناك أيضا مراسلون يرتدون الدروع والقلنسوات الحديدية وعلى الصدر والجبين كلمة “PRESS”. وتشعر الفضائية بالرضا عن نفسها وهي تزج بمراسلها في قلب الحدث وأنها استطاعت أن تواكب الحرب في أشد مراحلها شراسة. يجول المراسل بين المحاربين وهو يلتقط صور القصف ويروي وآثاره ثم يقتفي أثر الجنرالات وقادة الجيش أو المعارضة أو أي فصيل مسلح ويبدأ حيث قصة الحرب على لسان جنرالاتها وأمرائها. يلتبس الأمر على المراسل وهو يؤدي تلك الوظيفة المزدوجة، كإعلامي في يد وكمحلل عسكري في يد أخرى. في الأستوديو يتصلون به مطالبين بشرح ميداني مفصل لسير المعارك وكأنه رومل أمام منضدة الرمل العسكرية. يحاول المراسل التوفيق بين مهمة الإعلامي وبين التكليف الإجباري.. يلتقط مصطلحا عسكريا من هنا ومصطلحا من هناك بغرض أن تقتنع الفضائية بحسن أداء مراسلها. ينسى المراسل بالتدريج مهنته الأساسية ويغرق في العسكرة ومصطلحاتها وشؤونها.. يغرق في معرفة مهام القادة وسير المعارك بهدف أن يكسب المزيد من الجمهور وتشعر الفضائية بالرضا. هاهو المشهد ينفتح: المراسل جالس بين جنرالات الحرب يتبادل معهم الأحاديث ويناقشهم في مهام كل منهم حتى كأنه صار جنرالا مثلهم وهو حقا يصبح “المراسل الجنرال” وسط المعمعة، يكتشف فجأة أن وظيفة الجنرال ليست صعبة في بعض الأحيان سوى إتقان العلم العسكري. هنا في مشهد مباشر من معارك الموصل يقع المراسل في فخ نصبه الإرهابيون، هو ومجموعة من العسكريين يبقون محاصرين دون أن تقوى أي قوة على إنقاذهم بسبب كثافة النيران واشتداد المعركة حتى مجيء قوة إمداد كانت قد تعرضت لهجمة انتحارية نجت منها بأعجوبة. ولأن الحرب سجال يحاول المراسل أن يوجز ما جرى ويسهب في شرح مصطلحات القيادة والسيطرة وخط الصد والنيران وما إلى ذلك. هذه المرة عاش المراسل كل تفاصيل الحياة العصيبة للجنرال الذي يتوقع أن يفقد حياته في أي لحظة ويدرك أن الجنرال يجازف حقا بحياته ويعود إلى الواجهة من جديد. مع تصاعد أدخنة المعارك وأزيز الرصاص تزداد مهمة المراسل الجنرال التباسا، هنا سوف تتضح الانحيازات التي لا علاقة لها بأصل المهنة الإعلامية ولا بوظيفة الجنرال وسيخوض المراسل سجالا منحازا لا يخلو من التلفيق والترويج لطرف دون غيره وهنا سوف يدخل المراسل حقا في المتاهة. متاهة تتبدد فيها صفة ووظيفة وأولويات المراسل في مقابل وضع كابوسي يقع وسطه الجنرال وهو يخوض الحروب بكل بسالة، فيما المراسل في حيرة بشأن أمراء الحروب وجنرالاتها لأي منهم ينحاز ومن هو أكثرهم دفاعا عن قضية الإنسان؟ كاتب عراقي طاهر علوان :: مقالات أخرى لـ طاهر علوان المراسل الجنرال في متاهته, 2016/11/29 ثورة افتراضية: الفضاء الرقمي يعصف بمستقبل البشرية, 2016/11/28 متاهات في شكل حوارات, 2016/11/22 الفجر الأشد ظلاما رؤية سينمائية مبسطة للخراب الأرضي , 2016/11/21 الصحافة الأميركية في متاهة ترامب, 2016/11/15 أرشيف الكاتب
مشاركة :