نعم إن المراسل لا يخاف مشهد الحرب ولا الموت المنتشر ولكن عليه أن يخاف من الحقيقة التي ينقلها وكيف عليه أن ينقلها كما هي بتجرّد خالص. العربطاهر علوان [نُشرفي2016/11/01، العدد: 10442، ص(18)] تندلع الحرب فتبدأ مهمة الصحافة كأنها لم تبدأ من قبل. يعلم طاقم الصحيفة والمؤسسة الإعلامية تلك الحقيقة والحكمة القائلة “ساعة أن تندلع الحرب، تندلع معها الإشاعات والقصص المزيفة”. تعجّ وسائل التواصل الاجتماعي ويوتيوب بخليط لا حصر له من تلك القصص المفبركة والكاذبة إلى جوار الصحيحة. تشعر الصحيفة وطاقمها بأن مسؤوليتهم قد تحوّلت فجأة إلى مهمة “تنقية الحقيقة” مما لحقها من شوائب. الماراثون الصحافي طويل ومتشعب والراكضون يتحدثون العديد من اللغات، ذلك هو ماراثون الموصل مثلا، ففي إقليم كردستان يقيم العشرات من الصحافيين وتستقر العشرات من وسائل الإعلام وكلها منخرطة في ماراثون “تصحيح الحقيقة”. من أجل تلك المهمة السامية ستزج الصحيفة والفضائية بمراسلها في قلب الحدث، سيعتمر المراسل الخوذة والدرع الواقي من الرصاص والشظايا ويتسلح بالكاميرا ويدخل في تلك الهيجاء ثابت القلب ورابط الجأش. يتساقط المراسلون في ساحات الحرب مرارا، تلك هي ضريبة العمل الصحافي كما هي ضريبة الحرب وكل ذلك قربان للحقيقة. المراسل ذا القلب الشجاع وهو لا يمتلك خبرة في العمل العسكري ولا في الكوماندوز سيجد نفسه في متاهة مخيفة، فلا يدري لعلّ العدو يتسلل من الخلف فيوقع الجميع في المصيدة ومع ذلك لا خيار للمراسل سوى المضيّ في المهمة. تتعلق الإشكالية هنا بذلك المراسل الحربي الذي يراد له تنقية الحقيقة مما لحق بها من تشويه وتحريف، فكيف ومهمة وسيلة الإعلام ليست غير التشويه والتحريف وما إرسال ذلك المراسل إلا لزوم ما يلزم لغرض تمرير وهم المصداقية. في كل الأحوال تجد أن مهمة المراسل الحربي أن ينقل ما يرى وأن يتحرّى لغرض تفنيد كل ما يتعارض مع الحقيقة المجرّدة، لكنه لا يجد لتلك الحرب توصيفا محددا وأطراف الصراع كل منهم يمتلك رواية مختلفة. منزلقات شتى يتعرض لها المراسل الحربي وهو في ذلك الخضم من الأخبار الغثة والثمينة وما بينهما بسبب ما أشرنا إليه من اندلاع إخباري غير محدود وهو ما نشهده اليوم من وجهات نظر إخبارية متشعبة، عراقية/كردية/تركية/أميركية/خليجية/إيرانية ومن ثم داعشية، فأين موقع المراسل من كل هذا وهو الذي لا يجب أن يخاف وهو خوف فطري جراء تفشي الموت الذي تنتجه الحرب في إبادتها لكل من تطاله أداتها الفتاكة؟ حتى وإن كانت الكاميرات مفتوحة على الزاوية نفسها وتنقل الحدث نفسه، إلا أن الروايات وطريقة نحت القصص الإخبارية سوف تختلفان من صحيفة إلى أخرى ومن وسيلة إعلام إلى أخرى. نعم إن المراسل لا يخاف مشهد الحرب ولا الموت المنتشر ولكن عليه أن يخاف من الحقيقة التي ينقلها وكيف عليه أن ينقلها كما هي بتجرّد خالص، ليس ذلك مثاليا لأن كل مشاهد وقصص الحرب يجري توثيقها وأي تلفيق من طرف ذلك المراسل الذي لا يخاف سوف تلحق ضررا فادحا بسمعته وسمعة المؤسسة التي يعمل فيها. كاتب عراقي طاهر علوان :: مقالات أخرى لـ طاهر علوان المراسل لا يخاف, 2016/11/01 سومنوس فيلم خيال علمي بشخصيات غير مكتملة البناء, 2016/10/31 العنف والحروب الداخلية ماذا ألهما الكاتب العربي, 2016/10/27 زمن المغرّدين المصارعين, 2016/10/25 آخر سفينة فضائية صراع البقاء يؤمنه كوكب افتراضي, 2016/10/24 أرشيف الكاتب
مشاركة :