«كان الجلد في كلية غوردون هو العقاب الذي نناله بمناسبة أو دون مناسبة على يد الإنجليز، ولكن الإهانة التي كنا نذوقها على أيديهم أشد من قسوة الكرباج على ظهورنا». ما سبق هو نص ما قاله الرئيس الراحل محمد نجيب حول دراسته في كلية «غوردون»، والتي التحق بها وهو في سن الـ13 عامًا، وكانت تمنع دخول المصريين بها، أما هو وضعه استثنائي لأن والده كان موظفًا في الحكومة السودانية. وأثناء دراسة «نجيب» في الصف الثاني عام 1914 لم تكن أيامه بـ«غوردون» هادئة وفق تعبيره، كاشفًا أنه تعرض فيها للجلد 30 مرة، بواقع 10 جلدات لكل مرة. يروي «نجيب»، في كتابه «كنت رئيسًا لمصر»، أن مدرس اللغة الإنجليزية «مستر سمبسون» كان يمليهم قطعة، وجاء في أحد جملها: «إن مصر يحكمها البريطانيون». بسماع «نجيب» هذه الجملة غضب وتوقف عن الكتابة، ثم وجه حديثه إلى «سمبسون»: «لا يا سيدي، مصر تحتلها بريطانيا فقط، ولكنها مسjقلة داخليًا، وتابعة لتركيا». ما دفع نجيب لقول هذه الكلمات هو تأثره في ذلك الوقت بكتابات مصطفى كامل ضد الإنجليز، وكانت تلك الكتابات يتم تهريبها سرًا من مصر إلى السودان، وكان يطلع عليها «بعيدًا عن الأعين» حسبما ذكره في كتابه. بعد أن سمع المعلم اعتراض «نجيب» ثار عليه، وأصر أن يذهب أمامه إلى مكتبه آمرًا بجلده 10 جلدات على ظهره، وأردف الرئيس الراحل: «استسلمت للعقوبة المؤلمة دون أن اتحرك، أو أفتح فمي». رغم ما تعرض له «نجيب» من عقوبة إلا أنه استمر في اعتراضه على كل ما لا يعجبه، ويروي: «كنت أجهز لإلقاء محاضرة في الكلية عن حضارة الإسلام، وكان معي اثنان من زملائي هما يونس نجم وأحمد ماضي أبوالعزائم، وعرف المسؤولون في الكلية الأمر». حينها جاء المشرف الإنجليزي إليهم وقال لهم: «ماذا ستفعلون يا حيوانات.. هل هي فوضى.. كان يجب أن تأخذوا إذنًا منا»، ليرفض «نجيب» وصفه ورفاقه بالحيوانات، وغضب حتى أمر المسؤول بجلده 10 جلدات على ظهره. ولم تمر عدة أيام حتى تكررت نفس العقوبة عليه لمرة ثالثة، ويروي «نجيب» عما حدث: «دخل مدرس اللغة الإنجليزية الفصل ليوزع علينا كراسات الإنشاء، وجاء عند كراستي وقرأ الملحوظة التي كتبها في نهاية موضوع، وكانت كما قال: الإنشاء جيد لكن الخط ردئ جدًا». حينها فوجئ «نجيب» بإلقاء المدرس كراسته من النافذة، ثم أمره أن يذهب لإحضارها، لكنه رفض وأصر على ذلك، وقال له: «ما دمت قد رميت الكراسة فأرسل وراءها من يحضرها، أما أنا فلن أذهب». بعد هذه الكلمات هدد المدرس بجلده، وكان رد «نجيب»: «أنا أقبل الجلد ولا أقبل الإهانة»، وختم روايته: «ونفذ الرجل تهديده.. وجُلدت».
مشاركة :