لم يستطع الرئيس الراحل محمد نجيب، أثناء ثورة 1919، الامتناع عن العمل السياسي رغم امتثاله لقواعد الجيش، وتمثل الأمر في توجهه إلى بيت الأمة ورفعه صورة للزعيم سعد زغلول، وهو المشهد الذي التقطته عدسات كاميرات الصحفيين، وكان يرتدي زيه العسكري. هذه الواقعة كانت بالتزامن مع حصول «نجيب» على عطلة لعدة أيام، ومع عودته إلى كتيبته، في العاصمة السودانية الخرطوم، اجتمع بالجمعية السرية للضباط، وأرسلوا برقية إلى لجنة «ملنر» للتنديد بنفي سعد زغلول، وتأيد ثورة الشعب المصري. وأوضح «نجيب»، في كتاب «كنت رئيسًا لمصر»، أن سردار الجيش البريطاني أصدر أمرًا بغلق نادي الضباط في الخرطوم، والذي كانت الجمعية السرية تجتمع به، ثم قرر اعتقال أعضائها. وبعد خروج «نجيب» من السجن استكمل نشاطه السياسي، إلى أن حلّت القيادات الكتيبة التي كان يخدم فيها، ونقلوه إلى فرقة العربة الغربية عام 1921 في محافظة القاهرة، وكانت مهمته حسبما أوضح: «نركب البغال ونلف بها حول بعضنا البعض». لم يُعجب «نجيب» بالكتيبة الجديدة التي انتقل إليها، حينها قرر التقدم إلى امتحان الكفاءة، وطلب بعدها الانتقال إلى الشرطة، وروى: «حصلت على شهادة الكفاءة ودخلت مدرسة البوليس لمدة شهرين، لدارسة القانون الإداري، ولوائح البوليس تمهيدًا للعمل في أقسام القاهرة». عقب تخرج «نجيب» من مدرسة الشرطة خدم 5 أشهر في قسم شرطة عابدين، و 4 في قسم مصر القديمة، و7 في قسم بولاق، ويقول عن الـ16 شهرًا: «طوال هذه الشهور تعرفت على قاع القاهرة، واقتربت أكثر من الناس». ورغم نجاح «نجيب» في الحياة الشرطية إلا أنه فضل العودة إلى الجيش، ووراء قراره موقف رواه بنفسه أثناء خدمته في قسم مصر القديمة: «أثناء مروري في دائرة القسم فوجئت بولد يصرخ، ويبكي ويقول: سرقوني سرقوني». حينها قال الطفل لـ«نجيب»: «الحرامية اعتدوا عليّ وسرقوا طاقيتي وبها 6 قروش»، بناءً على الشكوى فتح محضرًا، وروى: «اعتبرت ما حدث جناية سرقة بالإكراه». بعد أن حرر «نجيب» المحضر عنّفه أومباشي الدورية وقال له: «هل هذا كلام يا أفندم.. محضر وجناية ونيابة على 6 قروش!»، وبعد أن سمع كلامه مزق المحضر من دفتر الأحوال. المشكلة لم تنته بتمزيق «نجيب» للمحضر، حينها استدعاه المأمور عندما علم بفعلته في الثالثة صباحًا، وقال له: «تمزيق دفتر الأحوار جناية أشد!»، ووصف الرئيس الراحل حاله في تلك اللحظات: «أردت أن أخرج من حفرة فإذا بي أحفر لنفسي حفرة أكبر منها.. وتركت البوليس».
مشاركة :