الكائنات المعدلة وراثياً والعلوم البالية

  • 11/29/2016
  • 00:00
  • 37
  • 0
  • 0
news-picture

ضجة واسعة أثارها بحث نشره العالم الهندي شيفا أيادوريا عن إمكانية تزويد «بيولوجيا الأنظمة» بإجابات عن عمل الكائنات المعدلة وراثياً على تراكم «الفورمالديهايد» المسبب للسرطان، حيث انهالت تقارير المنظمات المناهضة للتكنولوجيا البيولوجية بعناوين رئيسة مثيرة للخوف مصحوبة بصور ورسوم بيانية مرعبة. في الساحة الإعلامية اليوم، حيث تنتشر آراء لا أساس لها من الصحة، والدعاية الصاخبة، والشائعات، لابد أن يخدم المنهج العلمي الوسيلة التي نحدد بها ما هو صحيح كمحك للواقع، استناداً إلى الأدلة التجريبية القابلة للقياس، إذ يمكّننا العِلم من قياس ما نظن أننا نعرفه وتحديد ما لا نعرفه، غير أن الأمر الأكثر أهمية هو تكذيب الادعاءات الكاذبة التي ترجع إلى أسباب شخصية أو سياسية، أو هكذا ينبغي له على الأقل. ولكن في كثير من الأحيان "يضل" العلماء، فيتخلون عن المنهج العلمي- لأسباب تتعلق بالسمعة أو المكاسب الاقتصادية غالباً- لإنتاج الدعاية وزرع الخوف في الجمهور الذي يفتقر إلى الخبرة، ولكنه متعطش للمعلومات، وتنتشر إساءة استخدام السلطة العلمية على نطاق واسع بشكل خاص في الصناعات الغذائية "العضوية" و"الطبيعية"، والتي تستغل خوف الناس من المنتجات التخليقية أو "غير الطبيعية". ومن الأمثلة الحديثة العالِم الهندي ف. أ. شيفا أيادوريا، الذي نشر بالاشتراك مع برابهاكار دونيكار البحث الذي نال قدراً كبيراً من السخرية "هل تعمل الكائنات المعدلة وراثياً على تراكم الفورمالديهايد وتعطيل توازن الأنظمة الجزيئية؟ ربما تزودنا بيولوجيا الأنظمة ببعض الإجابات". (إن تعبير الكائنات المعدلة وراثيا، وهو في حد ذاته مضلل ويوصم ظلماً بالخلل في الأغلب الأعم). ورغم أن البحث اجتاز عملية مراجعة الأقران، والتي تشكل عنصراً أساسياً في العلم الشرعي، فقد ظهر في مجلة العلوم الزراعية غير المؤثرة، والتي ينتجها ناشر "جشع"، وفي غضون أيام من النشر، انهالت تقارير المنظمات المناهضة للتكنولوجيا البيولوجية، مثل رابطة المستهلكين العضوية، والكائنات المعدلة وراثياً من الداخل، عن "النتائج" التي توصل إليها أيادوريا، وبعناوين رئيسة مثيرة للخوف- "الفورمالديهايد في فول الصويا المعدل وراثيا؟"، و"دراسة حديثة تُظهِر أن فول الصويا المعدل وراثياً يعمل على تراكم الفورمالديهايد الكيميائي المسبب للسرطان"، بمصاحبة صور ورسوم بيانية مرعبة. ولكن المشاكل في بحث أيادوريا عديدة؛ فعنوانه وحده كاف لإظهار أن هناك شيئاً ما غير سليم، فإذا كنت تعتقد أن الكائنات المعدلة وراثياً ربما تعمل على "تراكم الفورمالديهايد"- وهي المادة الكيميائية التي ربما تكون مسرطنة عند مستويات مرتفعة، فإنها حاضرة في أغلب الخلايا الحية وموجودة على نطاق واسع في بيئتنا، والاستجابة الواضحة تتمثل بقياس مستويات هذه المادة في الكائنات الحية، ولكن أيادوريا اختار اللجوء إلى التخمينات القائمة على وضع النماذج عن طريق "بيولوجيا الأنظمة". إن "بيولوجيا الأنظمة" تمكننا فقط من التنبؤ، لا التوصل إلى استنتاج تجريبي، فبدلاً من إجراء اختبار فعلي لمستويات أي مادة كيميائية في النباتات، قام أيادوريا بإدخال البيانات على "خوارزمية" على الكمبيوتر للتنبؤ بمستويات مادتين كيميائيتين، الفورمالديهايد والجلوتاتيون، وهذا أشبه بأحد خبراء الأرصاد الجوية يتنبأ من نماذجه بأن الجو سيكون مشمساً طوال اليوم، بدلاً من النظر خارج النافذة لكي يرى ما إذا كانت الأمطار تهطل. من المؤكد، كما شرح كيفين فولتا رئيس قسم العلوم البستانية في جامعة فلوريدا، أن بيولوجيا الأنظمة قد تصبح نهجاً مفيداً إذا تم توظيفها على النحو الصحيح، وعلى حد تعبيره فإن بيولوجيا الأنظمة "وسيلة للتوصل إلى تنبؤات قائمة على دمج البيانات القائمة، ثم استخلاص احتمالات صحة التنبؤات إحصائيا"، ولكنه يؤكد أن التنبؤات لا بد بعد ذلك من اختبارها، "والتأكد من صلاحية نهج الأنظمة". وكما هي الحال مع كل الدراسات التنبؤية القائمة على نماذج الكمبيوتر، فإن صحة النتائج تعتمد على سلامة البيانات والخوارزمية المستخدمة، وإذا كانت البيانات منتقاة بشكل دقيق لدعم استنتاجات المصمم المرغوبة، أو إذا كانت الخوارزمية معيبة، فإن النتائج لن تكون دقيقة، ولكن من غير الواضح من مقال أيادوريا أي البيانات تم استخدامها، ولم يرد أي شكل من أشكال التحقق من صحة النموذج. ويقدم فولتا قيداً بارعاً لعمل أيادوريا: "إذا قمنا بتطوير برنامج كمبيوتر يعمل على دمج بيانات الإنترنت للتنبؤ بموقع مدينة ميونيخ، فأنبأنا البرنامج بأنها تقع بشكل مباشر على خليج المكسيك، قبالة ساحل فلوريدا، فإن هذا لا يعني أن ميونيخ تقع على خليج المكسيك قبالة سواحل فلوريدا"، بل يعني بدلاً من ذلك أننا ارتكبنا خطأً، في تحديد افتراضات البرنامج، أو إدخال البيانات، وكل هذا قابل للاختبار. ويضيف فولتا أن اتخاذ القرار بعد الطعن في تلك البيانات، والقيام بدلاً من ذلك "بنشر خريطة تُظهِر أن ميونيخ تقع على خليج المكسيك، في تعارض واضح مع كل البيانات ومزاعم الملايين من الألمان، لا يعني أنك عبقري، بل يعني أنك لا تدري أي شيء على الإطلاق، أو الأمر الأكثر ترجيحاً أن لديك سبباً يجعلك تريد لحاضرة ألمانية كبرى أن تقع على مسافة ساعتين بالقارب من تامبا". وفولتا لديه أيضاً ما يقوله حول ناشر بحث أيادوريا، فإذا طبعت الخريطة الخادعة التي تظهر موقع ميونيخ، "فما الذي قد ينم عنه ذلك بشأن سلامتك كمصدر جدير بالثقة للمعلومات؟". من منطلق روح التعاون العلمي، عَرَض فولتا التعاون مع أيادوريا في إجراء اختبارات على عينات من الذرة وفول الصويا المهندسة وراثياً (جنباً إلى جنب مع الضوابط المناسبة)، مع التحليل من مختبر مستقل، فرفض أيادوريا، ولهذا فقد قرر فولتا أن يستمر بمفرده. الواقع أن البيانات التجريبية آتية قريبا، ولكن إلى أن يحدث ذلك، فإذا اشتقت إلى لحم البقر المشوي على الطريقة الألمانية وعجائن السبيتزل، فعليك بالتوجه إلى أوروبا الوسطى، وليس إلى خليج المكسيك. * ميلر طبيب وعالِم في مجال الأحياء الجزيئية، وهو زميل روبرت ويسون في الفلسفة العلمية والسياسات العامة في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، وكان المدير المؤسِّس لمكتب التكنولوجيا الحيوية التابع لوزارة الأغذية والدواء في الولايات المتحدة، أما سيناباثي فكاتب مستقل في مجال العلوم في ماديسون بولاية ويسكنسن. «بروجيكت سنديكيت« بالاتفاق مع «الجريدة»

مشاركة :