إذا كانت السيارات تتسبب في إزهاق أكثر من (7000) روحا سنويا بالمملكة، وإصابة أكثر من (39) ألف إنسان بين طفل وامرأة ورجل، وكثير من هذه الإصابات تصل إلى العجز الكلي في العام الواحد، و(%74) من المصابين شباب تحت سن (40)، فإننا إذن أمام مشكلة تتجاوز كثيرا تقديرات بعضنا ممن يقرعون الأجراس بإلحاح محذرين من مخاطر، قياسا بهذه القضية، تبدو «هينة» وأخف وطئا. وزادت نسبة الحوادث، بعد (ساهرّ) بين عام 2009 إلى 2011 بنسبة24٪. ودون التقليل من خطورة كل خطر آخر، إلا أننا لا نعرف نشاطا يحصد روحا على رأس كل ساعة ويتسبب في إصابة أكثر من أربعة أشخاص كل ساعة بمعدل (100) حادثة يوميا، فهذا شيء كثير جدا، ويشكل خطرا داهما بالفعل. الدولة وجهاتها المختصة تستشعر بعمق وبقلق هذا الخطر، وهذا ما دفعها إلى تشكيل لجنة عليا برئاسة سمو وزير الداخلية وعضوية (6) وزارات إلى جانب جهات أخرى ذات صلة بالقضية، فالمملكة حسب التقارير الدولية تعتبر من الدول المرتفعة في مؤشر خطورة حوادث السيارات عالميا، علما بأن هذه الحوادث تسبب خسائر تبلغ أكثر من (12 ) مليارا سنويا، إلى جانب النزيف الذي تسببه في مواردنا البشرية. صحيح أن بعض أشكال المعالجات المقترحة، سواء من المؤسسات الحكومية أو الأهلية، للحد من هذه الظاهرة وتداعياتها سيكون لها تأثيرها الإيجابي في هذا الاتجاه، كما أن أخذ توصيات الجهات الاستشارية الداخلية والأجنبية بعين الاعتبار، والاستفادة من تجارب الدول التي حققت انخفاضا في مؤشر خطورة الحوادث المرورية سيكون عاملا مساعدا، إلا أن الدور الذي يلعبه المجتمع يجب أن يكون هو الرهان الأكبر، وذلك لسبب بسيط وبديهي، وهو أن قيادة المركبة في أغلب الأحيان حق يمارسه الناس في إطار حريتهم الذاتية، قياسا بالمركبات العامة، والنسبة الغالبة بلا أدنى شك من السيارات المخالفة، والنسب الأغلب من الحوادث المرورية تتم عبر السيارات الخاصة. وهذا هو القطاع الذي ينبغي أن يتم التركيز عليه في أية حملة تستهدف القضاء – أو دعنا نكون واقعيين ونقول الحد – من الحوادث المرورية. وقد اعتدنا في هذه الحملات على الاعتماد على استراتيجية متكررة، وهي الحملة التوعوية التي تعتمد على الملصقات والحملات الإعلامية الوعظية. وقد أثبتت هذه الاستراتيجية عدم كفايتها – ولا نقول جدواها – طالما أن الحوادث في ازدياد وعدد الضحايا في ارتفاع، لذا علينا جميعا أن نمعن التفكير في هذه المشكلة وابتداع حلول، وطرحها على الملأ، لأنها قضية تهم كل بيت، وينبغي أن تشغل كل إنسان. وعن طريق طرح الأفكار والرؤى كلها بشكل علني ومفتوح سينشأ حوار تفاعلي، أو ورشة عمل وطنية كبرى ستسهم في طرح حلول متنوعة وإبداعية تساعد على إيجاد حلول للمشكلة. وأعتقد بصدد هذا الحوار، الذي ينبغي أن نسعى لإقامته، أننا يجب أن نفكر في استراتيجية توعوية جديدة. ما هي مواصفاتها؟ أظن لو حاولنا أن نجعل حملاتنا التوعوية حملات تفاعلية، فإن هذا سيكون مدخلا ملائما أكثر من طريقة المخاطبة ذات الخط الواحد. يجب أن يكون المجتمع طرفا في حوار توعوي تفاعلي، أي يجب أن نغير موقفه في الحملة فيصبح داخل دائرة المسؤولية، بطريقة ما يجب أن نجعل المجتمع وجميع أفراده على مختلف قطاعاتهم وشرائحهم هم المسؤولين، وتتخذ السلطات المرورية والحكومية الأخرى موقع المستقبل لا المرسل..كيف يمكن أن يتم ذلك؟ لا أعرف – وقديما قيل من قال لا أعلم فقد أفتى.
مشاركة :