أما وقد عيّنكم صاحب السمو الأمير رئيساً للوزراء وكلّفكم بتشكيل الحكومة الجديدة مجدداً الثقة بشخصكم الكريم، فإن الكويتيين على مختلف توجهاتهم يضعون اليوم هذا التكليف في ميزان الخيار والاختيار ويأملون نقلة نوعية جديدة في طريقة تشكيل الحكومة من جهة ومنهج عملها من جهة أخرى. سمو الرئيس مباشرة ومن دون مقدمات، فصديقك من صدقك لا من صدقك، ونرى من موقعنا كسلطة رابعة أن أهل الكويت الذين قالوا كلمتهم في صناديق الاقتراع يستحقون أن تلاقيهم الحكومة بيد متعاونة مخلصة. وكي نكون منصفين فإن الأمور في السنوات الماضية وإن لم تكن بمستوى الطموحات وشابها الكثير من الأخطاء وأحياناً الخطايا، إلا أن إيجابيات كثيرة حصلت أيضاً بدّدت بعضاً من قتامة، عبّرت عنها ملاحظات ديوان المحاسبة عن التجاوزات التي انخفضت بشكل تدريجي وملحوظ. نريد البناء على الإيجابيات يا سمو الرئيس، وأبرز عوامل البناء تعزيز المشاركة بملاقاة خيارات الناس. وخيارات الناس تمثلت في التجديد وإعطاء الفرص للطاقات الشابة بأن تأخذ دورها في العمل السياسي وتالياً في السلطة. أفرزت الانتخابات وجوهاً شابة، متعلمة، مثقفة، قريبة من هموم الناس، حانقة على حاضرها خائفة على مستقبلها. ولا بد أن تضم الحكومة أيضاً وجوهاً شابة متعلمة كي تبقى لغة التواصل السياسي مشتركة بين السلطتين، وجوهاً شابة ليس بالمعنى العمري فحسب بل بروح التجدد والتحدي والإنجاز وعبور الحاضر إلى مستقبل واعد أكثر، وجوهاً شابة مقدامة تلغي عوامل استقالة الشباب من العمل الوطني وتحفّزهم على المشاركة وتعطيهم النموذج الناجح للعمل والعطاء. وأيضاً يا سمو الرئيس، نريدكم أن تقرأوا قراءة صادقة عادلة تجربة الوزراء المنتخبين، ولا نبالغ في القول إنها كانت إحدى أسوأ النقاط السلبية في مسيرة العمل. كانت تجربة مليئة بكل أنواع الفساد والمحسوبية والصفقات و«ترس» الوزارة والإدارات بموظفي الدائرة وتكريس المعاملات لكسب ود «المفاتيح» الانتخابية، ناهيك عن تجاوز القانون وتأخير تطبيقه خصوصاً في أمور حيوية تتعلق بصلب التنمية ورؤية سمو الأمير بتحويل الكويت مركزاً مالياً. قلنا سابقا ونقولها اليوم، كان لا بد من آلية ذاتية حكومية لمراقبة أداء الوزراء وتحديداً المنتخبين منهم بهدف وضع ضوابط تحول دون انحراف عملهم الوزاري وبالتالي دون خضوعهم لنيران النواب بحق أو لغايات خاصة. وعندما تبادر الحكومة وتحاسب هي المقصر أو المتجاوز أو المنتفع فإنما ترتب بيتها من دون انتظار الآخرين للتدخل بحجة الترتيب. وإذا تحدّدت عناوين النهج الجديد والمتجدّد للأداء الحكومي عبر آلية الرقابة والمحاسبة الذاتية، وإذا صارت التنمية هي البرنامج الرئيسي الذي يحشد كل الطاقات، وإذا أحسنتم اختيار الوزراء، وإذا قرأتم جيداً خيارات الناس وتطلعاتهم، فإن القطار الحكومي سينطلق بشكل أسرع وأكثر فاعلية، وهنا لا بد أيضاً من تكرار القول بأن الاستجواب أداة مساعدة لا أداة صدام، وعلى الحكومة الجديدة ألا تجزع منه، وفي الدول المتحضرة تشهد البرلمانات أحياناً استجوابات أسبوعية هدفها التقويم والتصحيح. ولذلك نعتقد جازمين أن عهد الخوف والتحسّب والترقّب بما يتعلق بالاستجواب يجب أن ينتهي، فمن لديه شيء يقوله ومن لديه حجة يدافع عنها. لا نريد لنائب أن يخلط بين معاملة مرفوضة لناخب في دائرته وبين أداء الوزير على المستوى الوطني ولا نريد لحكومة أن تفتح الخزائن وتعقد الصفقات عند كل تلويح باستجواب. نريد وزيراً يعتلي المنصة ويقول للنائب إن موضوع استجوابه شخصي وليس وطنياً أو رقابياً، ونريد نائباً يستجوب على تجاوزات القانون وسوء الأداء وفساد الإدارة... وربما من المفيد هنا أن تكرسوا يا سمو الرئيس مبدأ واضحاً مفاده عدم جواز استقالة أي وزير قبل الاستجواب. فالناس حمّلتكم أمانة الإيضاح وتبيان الحقائق، والوزير الذي لا يتجاوز لا يخاف أساساً من المواجهة. سمو الرئيس. مرة أخرى صديقك من صدقك، خصوصاً في مرحلة تتجدّد فيها الكويت داخلياً، وتكثر حولها الأخطار خارجياً... وإذا كنا في عين العاصفة فترتيب البيت وتدعيم أساساته هما السبيل الوحيد للبقاء. وفقكم الله. «الراي»
مشاركة :