أما وقد صدرت الإرادة الأميرية السامية بإعادة تكليفكم تشكيل الحكومة الجديدة، فلا بد يا سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك أن نصارحكم من العقل إلى العقل ومن القلب إلى القلب. سمو الرئيس، لا أحد ينكر رقيكم في التعامل مع الجميع، ومحبتكم للكويت وأهلها. خصومك قبل أصدقائك يشهدون لك بثبات المبدأ وترفعك عن الجدل وتمسكك بآداب الخلاف والاختلاف... لكن ذلك كله لا يعفيك من مسؤولية العثرات ومساءلة الناس. من يعمل يخطئ ومن لا يعمل لا يخطئ... قاعدة على صاحبها أن يرضى أيضاً بقاعدة أخرى، وهي تقبل النقد والملاحظات خصوصاً إذا كان على رأس السلطة التنفيذية التي تدير البلاد. شكّلت يا سمو الرئيس 6 حكومات منذ توليت هذا المنصب، ومن يعتمد معايير التقدم السياسي والاقتصادي والإداري والخدماتي والتنموي كمقياس للأداء يلمس من دون عناء أن التراجع ضرب هذه القطاعات وأن أخطاء كل حكومة كانت «تُرحل» إلى الحكومة التي تليها وكأن السلطة مختبر لا يستفيد أحد من تجاربه. سمو الرئيس، نعيش اليوم منعطفاً إقليمياً خطيراً جداً ستكون له انعكاسات مباشرة على الداخل الكويتي، وليس سراً أن مصير مجلس التعاون الخليجي برمته في مهب الريح، وعلمتنا التجارب أن البيت الزجاجي لا يصمد أمام العواصف وأن القوة الداخلية وحدها كفيلة بالحماية والصمود في وجه الأعاصير، لذلك لا نبالغ في القول إن فرصتكم الحالية اليوم هي الفرصة الأخيرة لإثبات قدرة السلطة التنفيذية على تحصين الداخل ومواجهة القادم من الخارج. إذا كان التشكيل الجديد يا سمو الرئيس على شاكلة كل التشكيلات السابقة فإن الكويتيين لا يريدونه، وإذا حصل فهم لا يتوقعون استمراره. لم تحم مقامكم ولا عمر الحكومات تلك التسويات التي كانت تجري لإرضاء هذا الطرف أو ذاك فإذا بكم تكتشفون أن الضرب يبدأ من أصحاب هذه التسويات. اختر الأصلح القادر ولو كان خارج كل التشكيلات والتيارات السياسية ولا تختر الضعيف الذي يحظى برضى تيار أو تجمع سياسي. لا تحسب حسبة أصوات الموالين في الاستجوابات ولا تخضع لهذا الابتزاز، فمن كانت إجاباته حاضرة ويداه نظيفتان لن يجزع من الاستجواب... ومن تجاوز في استجوابه النطاق الدستوري تتكفل المؤسسات بردعه. وأيضا، لا بد من أن تتوقف «سالفة» نائب رئيس الوزراء المقتصرة على البروتوكول والوجاهة والحوافز والمزايا. نائب رئيس الوزراء يا سمو الرئيس في كل دول العالم يملك من الصلاحيات الشيء الكثير، ومسؤولياته كبيرة خصوصاً تجاه القطاعات التي يتولى إدارتها. والمفروض أن يحمل عنكم أعباء كثيرة كي تتفرغوا للمتابعة وتقييم الأداء على قاعدة العقاب والثواب، لكن ما يحصل فعلياً هو أن المنصب صار شكلياً وبعض نوابكم يضع سدوداً بينه وبين المسؤولين والناس ولا يعرف التواصل مع أحد حتى عبر الهاتف. ولا بد من التطرق إلى الموضوع الأهم يا سمو الرئيس وأنت لست بخافٍ عما يحصل. وزارات السيادة للشيوخ، صح خطأ يجوز لا يجوز، هذا هو الواقع وتغييره بيدكم. لكن القصة ليست هنا بل في حالة الصراع المشتعل بين أبناء عمومتك قبل الآخرين. تعرفون تماماً ماذا يحصل بينهم، والتسريبات والتسريبات المضادة التي يقوم بها هذا وذاك، و«الحفر» المستمر لبعضهم بطريقة يصعب ردمها لاحقاً. يجب أن يعرف هؤلاء أن هذا الأسلوب يضعف السلطة ومجلس الوزراء قبل أن يضعف الشيوخ الوزراء. ويبدو أن المتصارعين لا يتعظون بأسلافهم الذين كانوا مستعدين لإحراق البلد من أجل كرسي... أوقف صراع أبناء عمومتك يا سمو الرئيس قبل أن تبدأ بمحاسبة الآخرين. ويبدو أن ظاهرة «الفاشينستات» انتقلت إلى الوزراء يا سمو الرئيس. تأسيس جيوش من «الشبيحة» بأموال طائلة من خزائن المال العام هدفها تلميع هذا الوزير أو ذاك ليل نهار. أموال طائلة أخرى تصرف لشتم فلان أو فلان من منتقدي الوزير. نسي الوزراء قطاعاتهم وتفرغوا لدعم ومتابعة هؤلاء «الشبيحة»، واعتقدوا فعلاً أن مدحهم الوهمي عبر الأثير يغني عن الإنجاز الفعلي... وإن لم تضع سموكم حداً لهذه الظاهرة وتحاسب مستغلي المال العام في غير موضعه فستتسع المخالفات وتربك الأجهزة الرقابية. وهل نتحدث عن الوزراء «اللي فاتحينها بحري»؟ عن الذين يتجاوزون تعليماتك ويتباهون أمام من يسألهم عن سبب ذلك بأنهم مدعومون «من فوق»؟ عن الذين يظهرون التزاماً بالتضامن الوزاري ويشبعون بطون النواب المعارضين بالمعاملات شراءً لودهم ودعماً لإزاحتهم وزيراً يضايقهم؟ الملاحظات يا سمو الرئيس كثيرة، لكن عنوانها الأساسي هو تراجع السلطة التنفيذية وبالتالي ضعف الدولة. وما لم يبدأ التغيير الفعلي من بيتكم الحكومي فلا تغيير يرتجى في أي مكان آخر. قديماً قِيل «أداء الأمانة مفتاح الرزق»، وفي الكويت أداء الأمانة مفتاح النجاح والتقدم والاستقرار. هذه فرصتكم الأخيرة وهذا دوركم... إن كنتم تريدون الاستمرار وترك بصمة في التاريخ السياسي. «الراي»
مشاركة :