انتهت الانتخابات، وهدأت زوبعة الحملات الانتخابية وما رافقها، واحتفل من نجح واستسلم بعض من سقط، فيما احتج بعضهم الآخر وعزم على الطعن في نتائجها. وبعد أن عاد المرشحون، إلى بيوتهم وبدأوا حسبة الربح والخسارة، بين من فاز ومن لم يحالفه الحظ. وعاد الخاسرون يحسبون أسباب خسارتهم، ولاسيما من كان المقعد البرلماني «في المخبى» لديهم، يحللون النتائج التي كانت صادمة لهم. وفي تحليلنا لنتائج الانتخابات، سنحدد بالأرقام الرابح والخاسر من الكتل والتجمعات، وليس الأشخاص، ولعل أكثر ما يلفت النظر في هذا الأمر الخسائر الكبيرة للتجمعات القلبية في الدائرتين الرابعة والخامسة، والكتلة الشيعية في الدائرة الأولى، وخسائر فردية في الثالثة. ولإلقاء الضوء على حسابات الخسائر نبدأ بأكبر الخاسرين، من الدائرة الرابعة وهي قبيلة مطير التي كانت متسيدة النتائج في الانتخابات السابقة، سواء في نظام (5×4) أو نظام (25×2) فكان ممثلو القبيلة لا يقلون عن أربعة نواب من أصل عشرة، ولكن الانتخابات الأخيرة شكلت صدمة كبيرة للقبيلة في نتائجها. فبعد أن قررت القبيلة برموزها إنهاء المقاطعة التي جرت في النسختين السابقتين لانتخابات المجلس ــ المنحل والمبطل ــ وخوض الانتخابات، جرت حسابات لم تكن في البال، فحصلت هجمة ترشيحية من أبناء القبيلة بكم كبير من المرشحين، تجاوز 40 مرشحاً، ثم انحسر حتى وصل إلى 25 مرشحا يوم الاقتراع، حيث لم تتفق القبيلة على تشاورية عامة، فانقسمت التشاوريات إلى مستوى «الأفخاذ» فزكّى كل فخذ من القبيلة مرشحه، ورفض أن يدخل في تشاورية عامة للقبيلة، كما حدث في الانتخابات السابقة، فضاع «الصوت المطيري» وسط هذا التشرذم في التصويت. ففي حسبة أصوات مرشحي القبيلة، وبعد جمع الأصوات التي حصل عليها مرشحو القبيلة تبين أنها بلغت 29 ألف صوت، وضعت في الصناديق، للمرشحين الـ25، وفي حساب متوسط أصوات النجاح التي تبلغ 3500 صوت، فلو قسمت الأصوات التي أعطيت لمرشحي القبيلة لأدت إلى فوز القبيلة بسبعة مقاعد من المقاعد العشرة بجدارة، فضاعت الأصوات بين الكم الكبير في المرشحين، ليقتصر تمثيل القبيلة على مقعد واحد فقط. بدرجة أقل كان وضع قبيلة الرشايدة التي نجح منها ثلاثة مرشحين من بين 13 مرشحا، فيما لم يكن هناك التزام بالتشاورية، فمرشح واحد فقط نجح من التشاورية، فيما المرشحان الآخران كانا خارج التشاورية، ما يؤكد توزع «الصوت الرشيدي» وضياع الفرصة، فعدد المصوتين للمرشحين الرشايدة بلغ 24230 صوتا، توزعت على 13 مرشحا، ولو وجّهت بشكل صحيح لكان نصيب القبيلة 6 مقاعد مضمونة وفق الحسبة السابقة التي ذكرناها لقبيلة مطير. أما بقية القبائل في الدائرة فقد كانت نتائجها متوقعة، وتدخل في نطاق الفوز حيث احتفظت «عنزة» بمقعدين، وشمر بمقعد وكل من قبيلة «بني غانم» و»ظفير» و»العجمان» بمقعد، وهي مقاعد ما كانوا ليحصلوا عليها في غير نظام الصوت الواحد. وفي الدائرة الخامسة، تبدو ظاهرة الربح والخسارة أكثر وضوحا، فقبيلة العوازم كانت الخاسر الأكبر، بحصولها على مقعد واحد، وهي التي كانت تفوز بأربعة مقاعد مضمونة، وهو الامر الذي أحدث جدلا واسعا بين أفراد القبيلة واتهامات متبادلة في ضوء عدم الالتزام بمخرجات التشاورية. فعدد مرشحي العوازم رسا على 13 مرشحا بعدما كان قد تجاوز 30 مرشحا، وبعد التشاورية انخفض العدد إلى 13 منهم أربعة من مخرجات التشاورية، والباقون رفضوا التسليم لها، فكان أن ضاع الصوت وتشتت. فمجموع ما ناله المرشحون الـ13 كان 23332 صوتا، لو وجّهت الأصوات بالشكل المطلوب بمتوسط 4 آلاف صوت لحصدت القبيلة 6 مقاعد مضمونة، ولكن ذلك لم يحدث، وحتى المرشح الوحيد الذي نجح كان من خارج التشاورية، ما يؤكد عدم التزام القبيلة. ولعل ما أعقب نتائج الانتخابات من ردود فعل ساخطة وصاخبة من أبناء القبيلة يؤكد الإحساس بفداحة الخسارة التي ألقاها الكثيرون على من ترشحوا خارج التشاورية، واتهموهم بإفشالها الأمر الذي تسبب بخسارة القبيلة، ولاسيما أن الاسم الذي نجح كان من خارج التشاورية. في السياق نفسه للخسارة كان الصوت «العجمي»، فمرشحو قبيلة العجمان كانوا 7 أربعة منهم من مخرجات التشاورية، ونالوا مجتمعين 18316 صوتا، وكانت النتيجة نجاح مرشح من خارج التشاورية وآخر من التشاورية، واحتل الأخير المركز العاشر وكان قاب قوسين من الخروج من القائمة، ما يؤكد أيضا عدم التزام القبيلة بالتشاورية. فلو وجّهت الأصوات بالشكل المطلوب لها، لحصدت قبيلة العجمان أربعة مقاعد مضمونة وفق متوسط رقم النجاح. ولكن ذلك لم يحدث فكانت خسارة القبيلة مثل سابقتها قبيلة العوازم لأن القبيلتين كانتا تهيمنان على مقاعد الدائرة بواقع أربعة مقاعد لكل قبيلة. وفي حساب الربح، حافظت قبيلة الهواجر وعتيبة على مقعديهما في الدائرة وكان واضحا التزام أصوات القبيلتين بنتيجة التشاورية في كل منهما، وهي حفاظ تقليدي وفق معطيات النتائج السابقة، فيما اقتنصت قبيلتا «سبيع» و»الدواسر» مقعدين لم يكونا لهما، فيما حافظ «السهول» على غنيمتهم في انتخابات الصوت الواحد واحتفظوا بمقعدهم، والامر نفسه مع الحضر الذين جمعوا أصواتهم واحتفظوا بمقعد اقتنصوه في انتخابات المجلس المنحل. وفي بقية الدوائر سارت الأمور وفق المسار المرسوم لها من حيث مخرجات التجمعات القبلية، فالعوازم احتفظوا بمقعدين في الدائرة الأولى، وإن كان بإمكانهم كسب مقعد ثالث. والأمر نفسه ينسحب على العتبان في الدائرة الثالثة الذين احتفظوا بمقعدين اثنين. وكذلك «عنزة» الثانية التي حصدت مقعدين. والأقليات القبلية حصدت مقعدين كانت قد اقتنصتهما كذلك في الانتخابات التي بدأت مع الصوت الواحد. أما عن التكتلات الأخرى، فقد خسرت الكتلة الشيعية بشكل كبير في الدائرة الأولى، لمصلحة التجمعات العائلية، والتكتلات الأخرى، فبعد أن كان مضمونا حصولها على ستة مقاعد، تراجعت مقاعدها في الانتخابات إلى أربعة فقط، فيما بدا واضحا تقدم العائلات الحضرية التي حصدت أربعة مقاعد وإن كان بعضها له خلفية أخرى. وفي سياق التكتلات السياسية، ومع رجوع قوي للحركة الدستورية الإسلامية «حدس»، شهدت الانتخابات خسارة ثقيلة للتجمع الإسلامي السلفي الذي كان يمثله نائبان أحدهما وزير، عدا تعاطف نائب ثالث معهما نجح في الدائرة الخامسة. ويقابل ذلك تسجيل حضور قوي للتيار السلفي البعيد عن التجمع بحصوله على خمسة مقاعد في مختلف الدوائر، وهي عودة قوية بعد المقاطعة، وهو الأمر نفسه الذي يسجل لحدس التي رجعت بثلاثة مقاعد. وبعيدا عن حسابات الخسائر والمرابح، فقد شهت انتخابات المجلس الأخيرة ظاهرة جدية لم يعتدها الكويتيون، وهي نجاح عدد كبير من الشباب الذين لم يكن لهم أي نشاط سياسي سابق، بعضهم اعتمد على رصيد ذويه، والآخر شق طريقه بقوة في ميدان السياسة. فقد نجح نحو 15 نائبا من الشباب، ما يؤكد تغير المزاج الكويتي للزج بروح الشباب في العمل السياسي، بحثا عن مخرج من حالة الجمود والإحباط التي يعيشونها منذ سنوات، ولاسيما فيما يتعلق بانتخابات مجلس الأمة، وهذا امر له ما بعده، ونتوقع أن تحمل أي انتخابات قادمة تغييرات كبيرة في الوجوه التقليدية التي تجاوزها الزمن السياسي، ولم تقدم خلال سنوات طويلة في عضوية المجلس أي إضافة أو تترك أي أثر. وتبقى الرسالة المهمة من مخرجات الانتخابات، موجهة للحكومة التي يجب أن تدرس النتائج جيدا، ويتم في البداية التشكيل الوزاري الجديد متواكبا مع تلك النتائج ومحققا للمطالب الشعبية، وخاصة في ملفات أصبحت تشكل هاجسا ومصدر مواجهة بين السلطتين، فهل درست الحكومة النتائج؟ وهل سيكون التشكيل الجديد وفق المعطيات الجديدة؟ هذه أسئلة لا بد أنها لن تغيب عن ذهن سمو الشيخ جابر المبارك بعد أن جدد سمو الأمير الثقة به، ولا شك أنه سيشكل فريقه الوزاري، في ضوء التطورات الأخيرة على الساحة المحلية، ولاسيما أن كثيرا من الرسائل التي وجهت إليه من النواب الفائزين بضرورة إبعاد الأسماء التي كانت مصدر تأزيم أو مشروع تأزيم في المستقبل، وخاصة أن معالم التكتلات بدأت تظهر بعد يومين من إعلان نتائج الانتخابات، وهذه التكتلات يبدو أنها ستكون مؤثرة وذات صوت قوي في المجلس. إذن المطبات كبيرة أمام المبارك بدءا من تشكيل الحكومة، مرورا بالجلسة الافتتاحية لمجلس الأمة وانتخابات الرئيس ونائبه وأمين السر واللجان، وموقف الوزراء من ذلك، لأن الخطوة الأولى ستكون في ميزان النواب الذين سيحسبونها إن كانت معهم أو ضد توجههم. الأيام المقبلة حبلى بالأحداث ونحن في انتظار ما ستسفر عنه.
مشاركة :