استكمالاً لحديثنا في الأسبوع الماضي عن التغرير بالشباب، فإن شبابنا فيهم من النباهة المختلفة في حبّ المعرفة، وكثرة البحث عن كل ما هو معروض إما نافع أو غيره. لهذا يجب تفعيل دور العلماء والقادرين من المتشبعين بفكر الإسلام الحصين، أن يبسطوا أنفسهم وقلوبهم، وينزلوا إلى مستويات الشباب، ليطرحوا ما شاؤوا من استفسارات، وتوضيح الأمور لهم وتفهيمهم، وشرح ما يجهلونه، وإزالة ما قد يكون علق بأذهانهم في غير مصلحة.. مقروناً بالدليل العقلي والنقلي.. امتثالاً لأمر الله عز وجلّ بقوله الكريم: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (الأنبياء 7). وكذلك تنمية المهارات وما يحقق الهدف الذي ينشده الحريصون على حماية شباب الإسلام من المنزلقات، وتوضيح أن ديننا الإسلامي ليؤكّد على السمع والطاعة، وتأصيل الطاعة والانقياد لولي الأمر، ووجوب التمسك بالبيعة إليه، والسمع والطاعة له، وأنها من العقيدة الملزمة وليست فكراً في شئون الحياة المختلفة. لهذا فإن أعداء الإسلام يكيدون لنا ويدخلون على أبنائنا، من طرق شتى، لعلهم يجدون منفذاً يدخلون معه، أو نقطة ضعف تسهّل عليهم غايتهم، كالشيطان الذي يحاول جذب الإنسان إلى منهجه بقدر ما يستطيع.. فإذا عجز عن الدخول من طريق الإغواء إلى المعصية، دخل عن طريق الطاعات والعبادات، بالغلوّ والتّطرف ليفسدها على صاحبها.. مبالغة وإغواء وتشديداً، وتشكيكاً ووسوسة، وغير هذا من الأعمال المفسدة لجوهر العبادة وسلامة العمل. كما أنهم يدرسون نفسية الفرد المسلم، وما يؤثر فيه، وهذه الدراسة كانت متأصلة لدى الغرب نحو شباب المسلمين، في محاولة لمعرفة مواطن الضعف فيهم، والنفاذ منها لبواطن عقولهم، ثم تحريك ما يضر بهم، ويخدم أعداءهم حتى يجدوا لأنفسهم مستقراً في ديار الإسلام. والتاريخ خير شاهد على ذلك.. فقد ذكر ابن تيمية رحمه الله تعالى: دور أصحاب النزعات في خدمة النصارى في بلاد الشام، ومساندتهم لهم، كما ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى في (البداية والنهاية)، شيئاً عمّن خدموا التتار في دخول بغداد، وتقويض الخلافة الإسلامية العباسية، والزحف على ديار الإسلام قتلاً وتدميراً، وفي سقوط الأندلس وإقصاء الإسلام من تلك البلاد، كان للمتعاطفين مع الإفرنج من أصحاب النزعات أثرٌ في فتح باب التعاون والتساهل، ثم التخاذل بعدما مكّنوهم من رقاب المسلمين، كما جاء في كتب المؤرّخين الغربيين الذين نقل عنهم: (بول ديورانت) في كتابه: قصة الحضارة، وكما نقل أطرافاً من ذلك «محمد بن عبدالله عنان» في كتابيه: نهاية الأندلس، و دولة الإسلام في الأندلس، وغير هذا كثير في سجلات التاريخ. وهذا ما يرغبه العدو أن يجعل أبناءنا سنداً قوياً لهم، ويحركهم في الاتجاه الذي يريده ليحقق بهم غرضه، ويطعن بهم أبناء الإسلام، ويحارب بهم مبادئ هذا الدين وشريعته، وبعد ذلك لم يف لهم بل تخلّص منهم، والعدوّ غدّار، مثل الأفعى ملمسها ليّن، ومخبرها سمّ زعاف. ليتهم يفهمون أن هذا استعمار فكري، يحرك النزعات المختلفة العقدية، والطائفية وهي فتيل البأس، وتتوقد نار الفتنة النائمة منه، فيجدها أعداء الإسلام فرصة في تحريك الأمر من وراء ستار، لتكبير الصغير، وتوسيع بؤرة الفساد. فهذه حجة عظيمة على من يرتكب المعصية ويستمر فيها ويموت عليها؛ فعقابه على الله سبحانه. والله من وراء القصد،،،
مشاركة :