كانت المخرجة الإيرانية في حالة ارتباك وشيء من انزعاج... وهي خارجة لتوها من المؤتمر الصحافي الذي نظمه لها مهرجان كلكوتا السينمائي الدولي لمناسبة عرض فيلمها «وقت آخر» في المسابقة الرئيسية المخصصة لأفلام المرأة. استغربت كثرة الأسئلة «السياسية» من الصحافيين الذين يثيرون وضع المرأة في ظل قوانين الجمهورية الإسلامية، ويستفسرون عن الإجراءات الإدارية والتراخيص الحكومية لصنع الأفلام، ويطلبون تفاصيل إضافية تتعلق بفيلمها حول النساء وحول الزواج وشرعية العلاقات خارجه في دولة مثل إيران، وحول... هي تريد الحديث عن فيلمها وشخصياتها ولا ترغب في التطرق إلى السياسة. ولكن، سألتها، هل من الممكن ألا تتدخل السياسة حين يتعلق الأمر بفيلم إيراني؟ مستحيل. أخبرتها أن السينما الإيرانية في الغرب مثلاً تُعامل معاملة خاصة وتُفتح لها الأبواب أكثر من غيرها في دور العرض والمهرجانات، لجودتها بالطبع، وإنما أيضاً لأنها تثير الفضول بسبب الوضع السياسي في إيران. وحين يحصل لقاء صحافي مع فنان إيراني، فالأسئلة تتطرق باستمرار إلى الوضع السياسي في بلده... لا يمكن إنكار ذلك. إنه جانب قد يراه السينمائي سيئاً إنما يجب تحمله مقابل إيجابيات أخرى تتاح لفيلمه! هذا الفيلم الروائي الأول للمخرجة ناهد حسن زاده (مواليد طهران 1974)، درست في العاصمة لتصبح قابلة قانونية، ثم قررت التوجه إلى السينما فدرستها وصنعت أفلاماً قصيرة ووثائقية خلال ممارستها مهنتها الأصلية. في أفلامها القصيرة أثارت المشاكل والصعوبات في مجتمع اليوم، لا سيما تلك التي تواجه المرأة. في فيلمها «وقت آخر» (زماني ديكر) «غدير» عامل في مصنع، حين احتج على عدم نيله مستحقاته لأكثر من سنة أوقف وسجن من دون محاكمة. بعد سنة خرج من الحبس ليجد ابنته «سمية» قد أنجبت من علاقة غير شرعية... فكيف سيكون رد فعله؟ مؤتمر صحافي طويل في كلكوتا التقينا ناهد مباشرة بعد المؤتمر الصحافي. > تبدين مرتبكة ومتعبة بعد المؤتمر كما أنك تأخرت عن موعدنا! - لقد طال المؤتمر وتجاوزنا الوقت المحدد له. كانت الأسئلة كثيرة وتطرقت إلى موضوع التراخيص لتصوير الأفلام في إيران وإلى السياسة... فوجئت بهذا. قلت لهم أن كل فيلم يحتاج إلى ترخيص من الحكومة قبل بدء التصوير، ولكن حين لا نحصل عليه نتابع التصوير من دونه! أعتقد أن الفن لا يمكنه أن يُسجن. الفيلم يسرد حالة اجتماعية سيئة وصعبة ويجب ألا تقتصر نظرتنا إليه حول التصريح بتصويره أو عدمه! > لمَ اخترت هذه القصة؟ هل هي نتيجة لتجربة شخصية مثلاً؟ - ما كنت أراه في عملي كان له كبير الأثر في أفلامي وثمة رابط مباشر مع مهنتي السابقة ومع علاقتي مع مريضاتي، بخاصة أولئك اللواتي كانت حياتهن تتعرض للخطر والمخاطرة. في فيلمي هذا، تعيش كل الشخصيات في دوامة. لدى الأب مشكلة مع المصنع لأنه لم يستلم أجره، وحين يتصاعد التوتر تكون نتيجته إلقاءه في السجن، والشاب الذي أقام علاقة مع الفتاة وكانت نتيجتها حملها، لم يختر أن يكون في هذا المكان، هو كان غادر إيران ويعيش في كندا لكنه حنّ لرؤية جدته فعاد وإذ به يقاد إلى الخدمة العسكرية حارساً للسجن! الفتاة فقيرة وفي وضع بائس وصحيح أنها أحبت الشاب، لكن فكرة الذهاب معه إلى كندا كانت هنا! > وفي النتيجة، نظرة يأس إلى ما تؤول إليه حال الشخصيات. - لسوء الحظ، فإن الجهود التي يبذلها كل فرد للخروج من مأزقه تقوده إلى عكس المراد وتجعله يغرق أكثر فأكثر في الدوامة. في رأيي، ثمة ما لم يعد وجوده نافعاً! إنه التقاليد التي يجب أن تختفي. هذه هي المشكلة الحقيقية وأساس كل شيء. في الفيلم حتى الطفل المولود مصيره مجهول. نحن في وضع لا نعرف إلى أين سيقود، الكل يجهل كيف سينتهي هذا! إنهم يدورون في حلقة مفرغة. > بطلتك فتاة متمردة على التقاليد، جريئة ومقاومة. هل هي تعبير عن المرأة الإيرانية الحديثة؟ - رغبت عبر هذه القصة الاجتماعية في أن أناقش مشاكل إيران اليوم. بعد عام 2009 (إعادة انتخاب أحمدي نجاد رئيساً للجمهورية) وددت تحقيق فيلم وثائقي أبدي فيه أن الحركة الخضراء (المؤيدة للمرشح موسوي الذي خسر الانتخابات الرئاسية) كانت حركة نسائية، لكننا لم نستطع إنجاز الفيلم حينذاك. لقد شهدنا أثناءها نساء كثيرات يخرجن في تظاهرات في الشارع ليطالبن بحقوقهن. «سمية» (الشخصية الرئيسية في الفيلم) هي تعبير ربما عن هذه الحركة النسائية، عن هذا التمرد. تريد المطالبة بحقوقها إنما ليس بأسلوب فجّ. تريد التغيير بشجاعة إنما من دون أن تتخلى عن «حيائها» (الكلمة ذاتها بالفارسية) الشرقي وأدبها. كان يمكن سمية أن تهرب مع طفلها غير الشرعي، لكنها لا تفعل، بل تظلّ ضمن كل هذه المشاكل وتقاوم. تريد أن تحصل على حقوقها بطريقة صحيحة. إنها تعبير عن النساء الإيرانيات اللواتي يردن نيل حقوقهن، لكن في شكل قانوني وشرعي. > أبديت في الفيلم صراع الأجيال وربما بالأحرى تطورها من خلال شخصيات الجدة والأم والحفيدة... - تسعى الأم في الفيلم إلى مساعدة ابنتها قليلاً في مواجهة قمع الأب والمجتمع، بيد أن الجيل الذي سبق، أي الجدات لم يكن متفهماً ظروفاً كتلك، هذا يعكس تماماً الوضع الحالي لإيران اليوم. ثمة خيبة لدى ذلك الجيل، كما نراه من خلال موقف الجدة لأنها لا تنفك تتحسر وتقول هن لم يفعلن هذا، لم يخرجن عن التقاليد... ثمة غيرة في موقف الجدة من تمرد الحفيدة وقدرتها على مقاومة عبء التقاليد. > معاينتك مشاكلَ النساء في المجتمع، كونك كنت قابلة قانونية قبل التوجه لدراسة السينما، تركت كبير الأثر على شخصياتك. - حين كنت أعمل قابلة لسنوات في مستشفى في جنوب طهران (الأحياء الفقيرة) التقيت حالات شبيهة جداً بحالة «سميّة». نحن في كل الأحوال محاطون بأناس مثل سمية وأبيها غدير والأهل والأقارب... > كيف أتيت من هذه المهنة إلى السينما؟ - منذ البداية كنت أريد أن أكون سينمائية لكن الظروف لم تسمح لي، وبعد نيلي الشهادة سجلت لدراسة السينما. أعتقد أنه حين تكون لديك نظرة فنية للأمور فليس مهماً في أي مهنة تعملين. > هل تعتبرين أن فيلمك ينتمي إلى السينما المستقلة في إيران؟ - لم أحصل على تصريح لتصوير الفيلم ولولا المنتجة فيري مالك مدني (قامت مشكورة بالترجمة لي من الفارسية إلى الفرنسية) لم يكن من الممكن إكماله. حين قالت لي أنها ستساعدني كان يوماً من أهم أيام حياتي. لقد كان هناك في البدء منتج آخر للفيلم وممثلون معروفون، لكن الممثل الذي كان من المفترض أن يؤدي دور الأب، أراد التحكم بالدور وكان يرفض الاستماع إليّ وحصلت خلافات حاول بعد ذلك إقناع المنتج بإيقاف التصوير وتقديم شكوى ضدي... في النهاية وبعد طول عذاب وجدت فيري (إيرانية بلجيكية). > فاز فيلمك بجائزة أفضل فيلم في مهرجان كلكوتا الدولي وقيمتها المالية، إضافة إلى المعنوية بالطبع، كبيرة. ما تأثير هذا الفوز في السينما المستقلة في إيران وفي عرض فيلمك داخل إيران؟ - في كل مرة يربح فيلم إيراني الجوائز في الخارج، يساهم ذلك في دعم سينمانا وفي التأثير في قرار السلطات ونظرتها إلى هذا النوع من الأفلام وإدراكها أن هناك الكثير من المواهب التي يجب ألا تهمل. > وهل تظنين أنها ستتيح لفيلمك العرض داخل إيران؟ - آمل ذلك على أي حال، فبالنسبة لي من المهم جداً أن يراه أبناء بلدي.
مشاركة :