أزمة الوعي العربي تكمن في الأمية الأخلاقية وصراع القيم بقلم: همام طه

  • 12/2/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

الأكاديمي العراقي حسن فاضل الخزرجي يعتبر أن صياغة ما ينبغي أن يكون في المستقبل تتطلب دراسة واستلهام العناصر الأساسية في ما هو كائن في الحاضر. العربهمام طه [نُشرفي2016/12/02، العدد: 10473، ص(12)] أمية القراءة والكتابة تهدد المجتمعات يرى المفكر والأكاديمي العراقي حسن فاضل الخزرجي أن طريق التغيير في العالم العربي يبدأ بالإقلاع عن “الازدواجية” في الفكر والسلوك والمواقف، والعلاج برأيه يكمن في إطلاق “حركة إصلاح حقيقي، والاستجابة لأشواق التنوير الذي تلازمنا هواجسه منذ عصر النهضة العربية الحديثة”. ودعا في حوار مع “العرب” إلى “حسم صراع القيم في الوعي العربي بالاستفادة الموضوعية من النماذج الحضارية العالمية دون الاستغراق فيها”. ويعتقد الخزرجي، وهو أستاذ الفلسفة بجامعة بغداد، أننا نشهد في كل يوم اندلاع مهمة جديدة للفلسفة تبعا لمستجدات الواقع وتوالد الظواهر وامتحان التطور العلمي واستحقاق مواكبة التحولات الكونية. وأوضح أن صياغة “ما ينبغي أن يكون” في المستقبل تتطلب دراسة واستلهام العناصر الأساسية في “ما هو كائن” في الحاضر، فالفلسفة عنده أداة صنع التاريخ والحضارة، وهي كما قال أفلاطون “حارسة للمدينة”. وبسؤاله عن مصطلح “الأمية الأخلاقية” الذي استخدمه في كتاباته، أجاب بأنه “نمط يضاف إلى اﻷميّات: أمية القراءة والكتابة، وأمية العلم والمعرفة، واﻷميّات الثقافية والسياسية والدينية”. ويستدل الخزرجي على أمية الأخلاق بالخلل والتردي في السلوك اليومي للأجيال الجديدة من اليافعين، متسائلا عن طبيعة النسق القيمي والتربوي الذي ساد في مجتمعاتنا فآل إلى هذا العطب الأخلاقي، وماهيّة الظروف التي أدت إلى نتائج تكاد تؤرق كل من يفكر في مستقبل بلداننا. وينادي الأكاديمي العراقي بتأسيس “مجتمع الأخلاق” تأسّيا بالتجربة اليابانية، حيث يبدأ التكوين السلوكي للفرد من المدرسة ويستمر طيلة عمره عبر مؤسسات التنشئة والضبط الاجتماعي. ويحذّر من التداعيات الثقافية والاجتماعية للتدهور الأخلاقي والمتمثلة في شيوع “الازدواجية”؛ ازدواجية الشخصية والسلوك والوﻻء والهوية والقرار والسياسة، والتي لا تعبّر في نظره سوى عن نقص ما في حياة الإنسان أو المجتمعات. حسن الخزرجي: كل مجتمعات العالم تعيش انتماءات فرعية دينية أو مذهبية، لكن المواطنة تخلق الانتماء الإنساني وتؤشر لوثة الازدواجية، وفق الخزرجي، على خلل تربوي في النشأة والمبادئ والنظريات التي يسير بمقتضاها السلوك وتتشكل المفاهيم والأفكار لدى الأفراد أو الجماعات. كما يفيد المفكر العراقي بأن “الازدواجية تعكس ضعفا نفسيا أمام المغريات، ونزوعا نحو الأنانية والذاتية المفرطة، وتجسّد سياسيا التنكر لـ’حياة المبدأ’، وانهيار مثالية العلاقات بين البشر أفرادا وشعوبا وحكومات، التي تقتضيها معادلة الحقوق والواجبات، أما حضاريا فتشي بالنكوص عن المسار الصحي لحركة التاريخ والتقدم البشري”. ويستعرض نماذج للازدواجية التي تجتاح المشهد العربي، منها الازدواجية الدينية ويمثّلها سلوك يجمع بين خطاب وعظي وممارسات تتناقض مع القيم الأخلاقية، وازدواجية معايير سياسية تتبنى الكيل بمكيالين في التعاطي مع الآخر، وتقرن المناداة بالمصالح الوطنية والعمل ضدها، أو تطالب بحقوق الفقراء ثم تنتهكها، أو ترفع شعارات الإصلاح والعدالة الاجتماعية ثم تعيق تحقيقهما. ويدعو إلى فكر علماني يفصل الدين عن السياسة ويربطهما بالأخلاق، لأن الأخلاق كما يفهمها “معيار الإيمان”، أما السياسة فتنبغي إعادتها إلى المحضنة الأولى لها وهي الفلسفة وضرورة تأطيرها بفضيلة العدل. ويؤمن الخزرجي بأن منهج الدولة العلمانية أخلاقي أولا يعتمد على “القيم الإنسانية” باعتبارها مشتركة بين ثقافات متعددة. فإذا قامت الدولة العلمانية على قاعدة احترام حقوق الإنسان كمبادئ عالمية، ومراعاة الخصوصيات الثقافية للمجتمعات، والموازنة بين العام والخاص، فإنها “دولة أخلاقية” يفترض أن يتضمن دستورها وقوانينها كل ما من شأنه تعزيز الحياة الأخلاقية السويّة للإنسان باعتباره عضوا في مجتمع تتحقق فيه معادلة الحقوق والواجبات، بحيث يتصرف الفرد بإيحاء مما يسميه ضيفنا “قدسية حقوق الآخرين وحرياتهم”. وهذا الوعي يطلق عليه “روح المواطنة” التي تُحدد في نظره طبيعة علاقة الإنسان بـ”اﻵخر” بوصفه كل ما هو خارج الذات الفردية في المجتمع؛ من أشخاص ومظاهر وممتلكات، وقوانين وأعراف وتقاليد، وحقوق وواجبات، وبنى مادية وروحية. وتتعدى روح المواطنة الخصوصيات التي تؤسسها اﻷديان والمذاهب والطوائف، وتتجاوز البناء القومي والمناطقي والعشائري والفئوي، وترتقي فوق العلاقات السياسية والحزبية والاقتصادية الضيقة. ويعتبرها الخزرجي ضمانة لتعديل السلوك البشري عن الانحيازات التي تفرزها الانتماءات الثانوية، فهي كما يقاربها فلسفيا “عابرة لحدود الثقافات المحلية، ومتصلة بالمنطق الإنساني الذي يجعلها منهلا ثريا للقيم الإيجابية، فيحصل التفاعل البنّاء المعبّر عن مواطنة الإنسانية وإنسانية المواطنة، بما يعزز المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية، ونكران الذات والنظرة العقلانية للعلاقة بين الحقوق والواجبات”. ويضيف “كل مجتمعات العالم تعيش انتماءات فرعية؛ دينية أو مذهبية أو عرقية، أو جنسية أو ثقافية، أو لغوية أو تاريخية، أو سياسية أو أيديولوجية أو مؤسساتية، لكن روح المواطنة تخلق الانتماء الإنساني، كإطار حضاري للتعايش والتنوع يعلو على غيره من الهويات، ويشكّل معيار إنسانية الإنسان”. ويلفت الأكاديمي العراقي إلى “اضمحلال روح المواطنة في المجتمع العربي المعاصر لأسباب تتعلق ببنية ومصداقية النظم والنخب السياسية، والنزاعات والحروب زائفة الأهداف وانعدام العدالة، وموروثات التخلف والجهل والأمية وانهيار المنظومة التربوية”. كاتب عراقي :: اقرأ أيضاً الاندماج لا يعني رفض المجتمع الجديد وإنما التعايش المشترك

مشاركة :