في مجتمع ذكوري، كمجتمعات منطقتنا العربية، يكثر العنف «الرجالي» ضد الزوجات... لكن من الصعب قبول الارتفاع في نسب تعدي النسوة على أزواجهن. وفي المجتمع المصري يقوم توازن القوى داخل الأسرة على فكرة «سي السيد»، الرجل القوي الذي يحكم بيته بالقبضة الحديدية، فالكلمة كلمته والقرار قراره... وليس لأحد آخر داخل البيت وجود أو شأن يُذكر إلى جانبه! وهنا تثور علامة استفهام مستحقة: «هل يمكن قبول فكرة وجود (ست السيد)، المرأة التي تحكم الأسرة بقلب من حديد وتعامل زوجها بقسوة لا تُقهَر»؟. «الراي» أصرَّت على طرح السؤال، رغم أنه قد يبدو افتراضياً أمام البعض، أو مستغرباً وبعيداً عن الواقع في نظر آخرين... واكتشفت أن الإجابة جاءت أكثر دهشة وغرابة من السؤال ذاته... والتفاصيل تأتي في السطور الآتية: البداية كانت مع إحصاءات رسمية تسلط الضوء على الظاهرة، وتثبت أن ما يستغربه البعض صار عادياً ومألوفاً، إذ تشير إحصائية صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية في القاهرة إلى أن 28 في المئة من المصريات يضربن أزواجهن. وفي الاتجاه نفسه أزاحت إحصائية صادرة من محاكم الأسرة النقاب عن أن 66 في المئة من الدعاوى التي يقيمها الرجال أمامها محورها عنف المرأة ضد الرجل، فيما كشفت دراسة ثالثة تتناول مشاكل الأسرة، عن أن نحو 55 في المئة من الزوجات الحاصلات على مؤهلات علمية لا يمانعن اللجوء إلى ضرب الأزواج رداً على الإساءة لهن، وذكرت الدراسة نفسها أن نسبة الطلاق بين أصحاب المؤهلات العلمية تكون أكبر في الفئة العمرية الممتدة من 25 إلى 49 عاماً. وكيل الأزهر سابقاً وعضو مجمع البحوث الإسلامية الشيخ الدكتور محمود عاشور، اعتبر أن هذا الأمر يُعد خروجاً على القيم والمثل والقواعد الإنسانية التي لا يجوز أن يلجأ إليها أي إنسان، سواء كان الزوج أو الزوجة، فلا يصح أن يُقْدِم أي من الزوجين على ضرب الآخر، لأن الزواج يجب أن يتوافر فيه السكن والمودة والرحمة، وإذا أصبح غير ذلك فهو مرفوض، وبالتالي يجب أن يسود الاحترام ولا يجوز على الإطلاق أن تتحول الحياة الزوجية إلى معارك واختلافات. وأشار، في حديثه مع «الراي»، إلى أن مثل هذه السلوكيات داخل الأسرة تؤدي إلى نشء بلا قيم أو أخلاق ويفتقدون القدوة الصالحة، وعزا هذه السلوكيات إلى بعض ما يُعرَض من مسلسلات وأفلام لا تراعي القيم المجتمعية الأصيلة، داعياً إلى التصدي لمثل هذه الموجات الدرامية الهدامة والعنيفة التي تدفع في اتجاه الصراع بين الأزواج. بدورها، قالت أستاذة علم الاجتماع في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتورة عزة كريم، إنها لا تقبل مثل هذه الإحصائيات، مشيرة إلى عدم وجود أي بيانات رسمية نستطيع الاعتماد عليها، ومثل هذه الأرقام السابق ذكرها تأتي عن طريق عينة بسيطة لا تُعبر عن المجتمع ككل، ومضيفةً أن حالات ضرب الزوجات للأزواج ناتجة عن الأوضاع الاجتماعية الحالية، فالأسرة تربي الولد والبنت بطريقة تحمل الندية بين الطرفين، ما ينتج عنه نوع من العنف والسلبية والأنانية لديهما. وأشارت، في ثنايا توضيحاتها لـ «الراي»، إلى «أنه عندما تتعدى الزوجة على زوجها يكون رداً على إساءته لها، وعادة لا تبدأ الزوجة بمثل هذا التصرف لأنها تخشى قوته التي بالطبع تفوق قوتها، وبالتالي فلا يمكن أن يكون تصرفها سوى ردة فعل لتصرف زوجها»، لافتةً إلى «أن الاحترام في المجتمعات العربية انخفضت نسبته جداً، وبالتالي يقل الاحترام المتبادل بين الزوجين، علاوة على أن الزوجة ربما تكون على درجة علمية أكبر من الزوج وتتحمل من المسؤوليات والأعباء المادية ما يفوق الطرف الآخر». وبينت الدكتورة عزة كريم «أن بعض القوانين مثل حق الرؤية والحضانة تعطي المرأة حقوقاً أكثر من الرجل، وهذا ما أضعف إحساس بعض الزوجات بالإبقاء على الأسرة فيكون قرار الطلاق سهلاً بالنسبة إليها، بحيث لم يعد مخيفاً مثل الماضي». من جانبها، قالت مديرة مركز وسائل الاتصال الدكتورة عزة كامل: «إن هذه الأرقام السابق ذكرها مبالغ فيها، فهي منافية للحقيقة، وعلى الرغم من ارتفاع نسب الطلاق في آخر خمس سنوات طبقاً لإحصائيات المركز القومي للمرأة، فقد تنوعت الأسباب التي أدت إليه وهو في حد ذاته مؤشر خطير». وأوضحت كامل لـ «الراي»، «أن عنف الأزواج ضد الزوجات والعكس موجود دائماً، ولكننا نلحظه أكثر انتشاراً الآن لأسباب عدة، منها الدراما التي ألقت الضوء على مثل هذه الموضوعات، وكذا وسائل الإعلام»، مفسرةً «انتشار حالات الطلاق بين أصحاب المؤهلات العلمية بأن المرأة تكون قادرة على العمل وتحمل المسؤولية كاملة، ومن ثم تكون أقدر على الاستغناء عن الزوجية». أما أستاذة الإعلام في جامعة القاهرة وعميدة المعهد الدولي للإعلام الدكتورة هويدا مصطفى، فقالت «إن الإعلام أحياناً ما يعكس نمط ثقافة المجتمع، فالمجتمع العربي تعاني فيه المرأة الكثير من المشكلات والإحباط وتداعيات التمييز الواقع ضدها، إضافة إلى التهميش، وبالتالي قد تكون لديها الرغبة في التنفيس عن الذات ويظهر هذا جلياً عندما تتعرض للعنف أو العنف المضاد». واعترضت مصطفى على تحميل الإعلام كل التبعات، مشيرةً إلى «أنه هو نفسه ينبع من البيئة والمجتمع والأفكار الموجودة»، ومبينة «أن ثقافة التهميش تعاني بسببها الأغلبية من السيدات اللاتي يعانين قهراً وتعديا عليهن، إضافة إلى عدم المساواة». وأوضحت لـ «الراي» أن «كثرة محاولات الدراما نقل هذه الأوضاع تخلق لدى المرأة الرغبة في الانتقام»، مشددة على «أهمية الدور المنوط بكل من الدراما والإعلام في الارتقاء بوعي المرأة»، ولافتةً إلى «أهمية الوعي وليس فقط المستوى التعليمي في مواجهة زيادة العنف من الزوجات وضدهن»، ومشيرة إلى «أننا كثيراً ما نجد هذا السلوك في بعض فئات الطبقة المتوسطة أو الفقيرة، فكثيراً ما تلعب الزوجة كل الأدوار، وتتحمل جميع المسؤوليات في الوقت الذي لا يبالي فيه الزوج بمسؤولياته، بما فيها الإنفاق عليها، وهو الأمر الذي يجعلها تشعر بأنها تضحي بالكثير، من دون أن تلقى المقابل».
مشاركة :