عبد اللطيف الزبيدي عند طرح قضيّة التنمية، يتبادر إلى الذهن حشد من المواضيع ذات العلاقة بالاقتصاد، ما يفتح المجال لمسائل النموّ والإنتاج والناتج القوميّ وما إليها. يؤدّي ذلك عادة إلى حصر البحث في أهل الاختصاص من أصحاب النظر في الاقتصاد والتخطيط والمالية. هذا ضروريّ ومنطقيّ. لكن يجب وضع كل ذلك على أرضيّة موازين الأمن القوميّ. عندئذ تتجلّـى مزايا التنمية الشاملة وآثارها في السياسة والسيادة وتماسك البنى الاجتماعية والمشاركة في القرار والتعايش السلميّ ومنعة الداخل وفرض الوجود في الخارج. أكثريّة البلدان المتقدّمة لا تنظر بجدّ إلى مجموع تلك القضايا كمتلازمات؛ لأنها تقصر محاور اهتمامها على الجوانب المادية من التقدم. هو ذا البرهان الساطع القاطع: هل تشك في أن فرنسا بلد متقدّم حضاريّ لا ترقى إلى مستواه أغلبية دول العالم؟ لكن ماء الإحصاءات يكذّب غطّاس مقياس التقدم. من بين ثلاثة وستين بلداً شعوبها هي الأكثر تشاؤماً في العالم، تحتل فرنسا المرتبة الستين في السوء. نسبة المتشائمين فيها 83%. سبعة عشر فقط من المئة متفائلون، يرون أن الشمس ستشرق في الغد، وأن الأوضاع ستكون أفضل. وردت هذه النسب المرعبة على لسان لوك فيري أستاذ الفلسفة المفكّر، وزير التربية والتعليم سابقاً، في محاضرة ألقاها 2016. أطلّ هذا العيد الوطنيّ الخامس والأربعون، والإمارات تحظى منذ أشهر، بوزارتين فريدتين، واحدة للسعادة والأخرى للتسامح، وهما دعامتان حقيقيتان للتنمية الشاملة. مهمّة الأولى قياس كيفيّة انعكاس الحياة اليوميّة والأوضاع الاقتصادية والتنموية على السكان، من منطلق أن التقدم آلة مادية جبّارة، فما هو تأثيرها ووطأتها على النفوس؟ هذه قضية اجتماعية ذات أبعاد سياسية. ووظيفة وزارة التسامح هي النظر بعدسة مكبّـرة إلى المجتمع بوصفه مجموعة أفراد، يحتاجون إلى رعاية ذهنية ونفسية، ببث روح عمل الفريق والتآخي والتفاهم، ونبذ النزعات السلبيّة. من هنا نرى التكامل بين الوزارتين، وعلاقتهما بقضايا، في نهاية المطاف، تربط التنمية الشاملة بالأمن القوميّ، الذي غالباً ما ينظر إليه الناس من زاوية خارجية وينسون أهمّيته داخليّاً. سلامة الجسم تتحقق حين يعمل جهاز المناعة جيداً إزاء الأعراض السلبيّة في الداخل والخارج معاً. وزارتا السعادة والتسامح ليستا ترفيّتين ولا شرفيّتين، هما مقياسان حراريان ضروريان لتوازن الحياة العامة، لأن صعود مؤشر التقدم ليس معياراً كافياً لمعرفة مدى سلامة المجتمع نفسياً، فرنسا نموذجاً. لزوم ما يلزم: النتيجة المغزوية: انظر الطرفين السيئين، فإمّا تقدم شقيّ مثل فرنسا، وإمّا تخلّف يعقبه انهيار أوطان. الإمارات ضبطت الميزان. abuzzabaed@gmail.com
مشاركة :