الرياض: فتح الرحمن يوسف توقع المخرج المصري خالد يوسف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من الرياض، وثبة جديدة لصناعة السينما في السنوات المقبلة، متفائلا بعودة دورها الذي كانت تؤديه في غابر الأيام. ووعد المخرج يوسف «الشرق الأوسط»، بعودته بقوة للسينما من خلال مشروعين أحدهما اجتماعي «عن قصة حب» ومشرع آخر تاريخي عن «الأندلس»، مشيرا إلى أن لديه أكثر من مشروع فني قادم. ويتناول فيلمه المقبل «الأندلس»، جذور وتاريخ الحضارة العربية والإسلامية في تلك الرقعة الجغرافية في ذلك الزمان، «كنت قد كتبته منذ فترة، في طور البحث عن تركيبة إنتاجية ليخرج للناس بشكل مناسب». وقال: «لدي أكثر من مشروع ولكن للأسف الوضع في مصر مرتبك حتى الآن، وكنت دائما مشتبكا مع ما يحدث على الأرض إذ لم تكن لدي رفاهية كافية للتفكير السينمائي». وأضاف يوسف «السينما هي الصناعة الوحيدة التي تأثرت كثيرا بالانفلات الأمني الذي كان يسود الساحة المصرية منذ فترة، ذلك لأنها صناعة مرتبطة بالشارع بشكل وثيق». وأوضح أن الكثير من شركات الإنتاج السينمائي أحجمت عن صناعتها لفقدان الأمن، مع خشية عدم إمكانية تصويرها أو يطالها عنف الأحداث ويتراجع بسببها قيمة الفيلم وأهميته ورواده نسبة لحظر التجوال. ولفت يوسف إلى أنه خلال هذه الفترة، عانت السينما من أزمة بفعل أن الدولة لم تكن مؤمنة بها من أصله، لإظهار وجه مصري الحضاري أو استخدامها كقوة ناعمة في التأثير في المحيط العربي. وازداد الأمر وفق يوسف، سوءا مع الثورة، بما تبعها من عنف وفقدان للأمن، معتقدا أنه باستقرار الأوضاع في مصر، ستتعافى السينما باعتبارها من الصناعات المهمة جدا التي خلقت لمصر تأثيرا قويا وربطتها بالوجدان العربي كإحدى الأدوات الفاعلة. وفيما يتعلق برأيه حول انتشار المسلسلات التركية في المنطقة العربية على وجه الخصوص، أكد يوسف أن تسيدها على الشاشات العربية، خطر يمثل تهديدا للأمن القومي العربي، «ولا أبالغ في ذلك». وقال إن «هذه المسلسلات تدخل كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج، وتصدر مجموعة قيم مغايرة تماما لمنظومة قيم المتلقي والمجتمع العربي، حيث إن الشباب الصغار والأطفال من الجنسين والذين في عمر الصبا، يتشكل وجدانهم على هذه القيم التي لا تنتمي لبيئتنا». ويبقى وفق يوسف، هناك صراع بين المنظومتين المختلفتين من القيم، ذلك لأن النشء يجد نفسه بين قيم أسرته وبيئته العربية، وبين تلك التي يجدها متاحة وجها لوجه من قيم أخرى لا يعرف عنها شيئا وتبث إلى وجدانهم ليل نهار. وأضاف يوسف: «أتصور أن هناك خطورة شديدة جدا من هذا السيل المتدفق من الفن التركي، وأنا أتحدث كمصري تربطني بالمجتمع العربي منظومة قيم واحدة ومشتركة، فالشعب المصري ليس لديه مشكلة في متابعة الأعمال السورية أو الخليجية أو غيرها». وقال يوسف: «خوفنا أن تتشكل قيم أطفالنا، بتلك التي لا تنتمي لمجتمعهم العربي، وفي رأي من الصالح أن نشاهد مسلسلات وأفلاما من كل أنحاء العالم لا يمثل بالنسبة لنا مشكلة، كما قال غاندي حينما قال إنني مستعد أن أفتح نوافذي لكل رياح العالم بشرط ألا تقتلعني من جذوري». وأكد تصدير منظومة قيم المجتمع التركي بهذا الإلحاح وبثه في الشاشات العربية يمثل خطرا يحدق بنشئنا ووجدانهم العربي، مشيرا إلى أهمية تكثيف المنتجات العربية على اختلافها باعتبار هي الطريق الوحيد لتوحيد الوجدان العربي، فضلا عن أنها ذات جذور وقيم واحدة. وزاد يوسف: «أنا أتصور تسيد نوع معين من الأعمال الفنية لا ينتمي لبيئة نفس قيمنا يستحق الوقوف عنده ودق ناقوس الخطر»، ولكنه في نفس الوقت لا يعتقد أن الحل ليس بالمنع لأنه من الصعوبة بمكان منع بث القنوات الفضائية على مستوى العالم. وشدد بضرورة أن يكون هناك توازن بمعنى أن يدرك كل من الإعلام والقنوات دوره، لخلق نقطة اتزان بين عرض المسلسلات التركية والمسلسلات العربية، تحسبا لاختراق قيم نشئنا وانحرافه. من جهة أخرى رد يوسف على منتقديه الذين وصفوه بأنه رسول الإباحية وانحلال الأخلاق المنطقة العربية، على خلفية بعض الأفلام التي احتوت على بعض الإيحاءات الجنسية، منها فيلمي «حين ميسرة» و«الريس عمر حرب»، بأنهم ركزوا على الجزء الفارغ من الكأس، وتركوا الجزء الملآن منه. وكان فيلم «حين ميسرة»، مس الجانب المسكوت عنه في المجتمع وخصوصا مشهد السحاق، الذي أدته فنانتان في الفيلم، حيث اعتبروه دليلا على انحدار الأخلاق في السينما. وكان وقتها قد طالب الدكتور عبد الصبور شاهين بإحالة بطلتي ومؤلف ومخرج الفيلم إلى النيابة العامة للتحقيق معهم بتهمة «الدعوة إلى نشر الشذوذ الجنسي والسحاق والتخريب الأخلاقي» على حد تعبيره، وطالب حينها بعض نواب مجلس الشعب المصري بوقف عرض الفيلم. كما أثارت مشاهد جنسية احتواها فيلم «الريس عمر حرب» حفيظة البعض، لما فيه من مشاهد من حياة المقامرين، باعتبار أنها لا تشكل أهمية بالنسبة للجمهور ذلك أن المقامرين فئة منبوذة في المجتمع. ولكن خالد يوسف أوضح أن الأحداث تمت في سياقها وأن المشاهد تصوير لاغتصاب وسقوط بغداد وهو ما يعد سفسطة كلامية لم يجد الكثيرون منها أي دلالة حقيقية تعنيه. وقال: «ليس هناك مبدع عربي تحديدا، من مصلحته أن يدعو إلى انحلال القيم، والإباحية لأنه في النهاية ليس لدينا إلا هذه الأمة ونحن نعيش على أرضها تماما كما أولادنا، ولذلك ليس من مصلحتي أن أربي أطفالي في مجتمع منحل، وبالتالي فإن الفن إحدى وظائفه في الحياة هي الرقي، والسمو الإنساني والارتقاء بقيمها لا الانحدار بها إلى أسفل». وأضاف: «أنا عندما تعرضت لبعض القضايا المسكوت عنها، وأصبح بعض المتحفظين يعزف على هذا الوتر الحساس، بأن المسكوت عنه لا يجوز كشفه والحديث عنه ولكن على مستوى العالم لا توجد قضية لا تناقش خاصة الأمراض الاجتماعية والتي يوجد منها في مجتمعاتنا العربية». وشدد يوسف بوضع المسكوت عنه على المكشوف مثله مثل أي مشكلة أسرية تحتاج لحلول، مبينا أن عرض المشكلة نفسه يطرح أسئلة كاشفة تبصر المجتمع نحو البحث عن حلول لها، «لأن الفنون ينطبق عليها القول: وحدها الأسئلة ترى الأجوبة عمياء». وزاد: «في هذه الأفلام طرحت الأسئلة التي أعتقد أنها كاشفة، تجعل المجتمع في واجهة بعض الصدمات من طريقة العرض لأجل أنني أرى الخطورة تكمن في السكوت على قضايا كتلك دون مناقشتها، مهما بلغت درجة حساسيتها، ومن يقول بأن المجتمع العربي مجتمع من الجنة كله خير، ومعافى من أي أمراض اجتماعية أو ظواهر انحراف أخلاقي كذب».
مشاركة :