سنتان وأحيانا أربع، يعيش معك هذا الإنسان.. يأكل مما تأكل.. يشرب مما تشرب.. يسكن معك.. يتنفس ذات الهواء الذي تتنفسه.. يشاركك أفراحك وأتراحك.. وحينما تحين ساعة الفراق تذرف دموعك حزنا على هذا الفراق الحتمي.. ترافقه نحو المطار.. وعند سلم الطائرة تنقطع علاقتك به.. كأنه لم يكن.. كأنه لحظة حلم بددها جرس اليقظة.. لا تتصل به.. لا تهتم له.. لا تسأل عنه.. وأنت الذي حزنت على فراقه، ولو كان الأمر بيدك لما غادر! هذه التجربة مرت على جميع الأسر الخليجية.. أعني بها العلاقة الإنسانية التي تربطنا بخدم المنازل بعد انتهاء فترة عملهم في بيوتنا، وخدمتهم لنا، ورعايتهم لأطفالنا عند غيابنا.. ما زلت في حيرة إزاء هذه الظاهرة العجيبة.. ما زال السؤال محلقا فوق رأسي منذ سنوات: هل فشل الخليجيون في تكوين صداقات وعلاقات إنسانية دائمة مع ملايين البشر الذين يفدون إلى بلادهم؟! أشرت غير مرة، إلى علاقتنا تحديدا بالأشقاء المصريين.. ملايين المصريين مروا علينا في السعودية.. منهم من غادر ومنهم من لا يزال بيننا.. اليوم لو تعرض قارئ هذا المقال لأي مشكلة في مصر ـ مهما كانت المشكلة بسيطة ـ تجده يتجه نحو سفارة بلده طالبا العون.. لأنه لا يعرف أحدا غير سفارة بلده يلجأ إليه.. كأنه في بلغراد أو براغ.. كأنه لم يتعرف في حياته على الكثير من الأشقاء المصريين.. في المدرسة في الجامعة في العمل في المسجد والمستشفى والشركة والمؤسسة والسوق وغير ذلك! ـ بينما علاقة الخليجيين ببعضهم البعض، وإن كانت عابرة في مقهى، أو مقعد طائرة أو غرفة انتظار، تستمر لسنوات طويلة.. تتوطد.. تستطيل جذورها يوما تلو آخر.. وربما تتطور إلى مصاهرة، وصداقة دائمة.. ما تفسير هذه الظاهرة؟!
مشاركة :