قلت للكومندان فيديل كاسترو: إن الرياض وقفت مع شعبك - سليمان الجاسر الحربش

  • 12/5/2016
  • 00:00
  • 96
  • 0
  • 0
news-picture

عندما تناقلت وسائل الإعلام نبأ وفاة الزعيم الكوبي فيديل كاسترو بما حملته من نفاق وظلم تداعت إلى ذهني بعض الذكريات منها أن زميلاً أمريكياً هاتفني في شهر يوليو 2015 قائلاً: أرأيت لقد قرر الرئيس باراك أوباما تطبيع العلاقات مع كوبا! ثم أردف ذلك بأن رئيسهم لديه الشجاعة أن اعترف بأن السياسة الأمريكية خلال الخمسين عاماً الماضية تجاه كوبا ونظام كاسترو لم تؤتِ ثمارها! أجبته: مرحى! هناك في بلادي من اكتشف هذه الحقيقة الواضحة قبل فخامة الرئيس. في شهر مارس من عام 2004 كنت في زيارة رسمية إلى فنزويلا التقيت بالسفير السعودي في كاراكس الأستاذ صالح الحجيلان وسألته وهو يعرف أنني على رأس منظمة دولية تملك حكومتي أكثر من 30 % بالمائة من رأس مالها: إن لدي دعوة رسمية لزيارة هافانا فما رأيك! أجابني على الفور «رح وأنت مغمض» وأضاف لقد وعدهم الأمير سعود (رحمه الله) بإقامة العلاقات الدبلوماسية وبناء جامع هناك. أخذت بهذه النصيحة ووصلت هافانا في الأسبوع الأخير من شهر يونيه 2004. كان لدينا في صندوق الأوبك (أوفيد) مشروع واحد متعثر هو مشروع إمدادات المياه للعاصمة هافانا وسبب التعثر صدور القانون المعروف في وثائق الكونجرس الأمريكي بقانون هلمز بيرتون 1996 (نسبةٍ إلى عضوي الكونجرس اللذين تقدما به) وهو قانون يحظر على من يسوق سلعة أمريكية أن يزود بها الكوبيين وكان هذا هو مفتاح الحديث مع الزعيم الراحل كما سأوضح. دخلت مع زميلي الجزائري في غرفة استقبال صغيرة ثم أقبل الكومندان يتهادى وهو يعرج كان وحيداً بدون حراسة ظاهرة، سرنا في ممر قصير إلى صالة الاجتماعات وعند الباب توقف والتفت إليّ واضعاً يده على كتفي ثم سألني هل تجيد الإسبانية قلت لا لكنني أتحدث الإنجليزية إلى جانب لغتي الأصلية وهي العربية استمر يحدق بي وبمن حوله وكأنه يريد من المترجمة أن تنقل ما يريد قوله بالطريقة التي يقصدها ثم قال: «لقد أمضينا أكثر من عشرين سنه نحاول أن نتعلم لغة صعبة» ثم قطب جبينه وهو يلفظها ودخلنا الغرفة. هذا المشهد نقلته لزميلي الأمريكي وقلت له وقتئذ أن الرجل يريد أن يبعث لكم برسالة أنه يقصد اللغة الروسية وما قاله يعكس امتعاضه بحلفاء الأمس الروس أجابني زميلي أننا في أمريكا للأسف نعامل قضيتي كوبا وفلسطين على أنهما قضيتان محليتان بمعنى أن وراءهما رأياً عاماً. جلس الزعيم قبالتي وبجانبه وزيرة الاستثمار ورئيس شركة النفط الوطنية. عندما تجد نفسك أمام أحد صناع التاريخ تشعر بالرهبة وعليك أن تبحث عن نقطة اختراق وأن تختار كلماتك بدقة. شكرته باسم زملائي في أوفيد على فرصة اللقاء به خصوصاً أنه في نفس اليوم يستقبل رئيس جمهورية ناميبيا، كان كما يقال عنه شخصية مشعة كارزمية يتحدث بصوت خافت يطيل النظر فيك قبل أن يتكلم ولا يرتد طرفه عنك وهو يستمع إليك كأنه يلتقط ما تقوله بسمعه وبصره هذا الرجل الذي تحدى الولايات المتحدة فصمد دفاعاً عن كرامة شعبه ثم سحب الروس ما تبقى من البساط من تحته فاستمر في الصمود، كيف تدخل إلى قلبه!. قلت له سيدي الرئيس إنني من البلاد التي وقفت معك عندما حرم الكونجرس الأمريكي على الشركات التي تسوق سلعة أمريكية من التعامل معكم ومن ذلك الشركة الإسبانية التي انسحبت من تزويدكم بالمعدات اللازمة لمشروع الري الذي نموّله وعندما بلغ اليأس من رجالك مبلغه وجدوها عند مؤسسة سعودية في الرياض لا تقع تحت طائلة القانون الأمريكي. ثم أردفت وأنا ألحظ علامات الرضا على وجهه أننا منظمة تستهدف الشعوب وأعدك أنني عندما أزورك مرة ثانية فإن نشاطنا في بلادك سوف يتضاعف لأسباب عديدة منها أن كوبا نعم الشريك فأنتم توقعون اليوم وتصادقون في الغد ثم تبدأون في السحب في نفس الأسبوع وهذا شيء نادر الحدوث أضف إلى ذلك الطبيعة المهنية الراقية لمن نتعامل معهم من موظفيك في إدارة وتنفيذ المشاريع وهو إطراء أطرب الزعيم. ثم وعدته بأننا سوف نستثمر علاقاتنا مع الصناديق الشقيقة لجلبها إلى السوق الكوبية كما وعدته بمنحة للحفاظ على هافانا التاريخية التي أصبحت مزاراً للسواح. وعندما عدت في عام 2014 كان لدينا في أوفيد 12 مشروعاً كلها في البنية الأساسية وعدداً من المنح كما أن ثلاثة صناديق وطنية دخلت كوبا وهي الصندوق السعودي للتنمية، والكويتي، وأبو ظبي، لكنني للأسف لم أتمكن من مقابلة الحاكم الجديد راؤول. استقبلني بدلاً منه كلٌ من نائب الرئيس ورئيس الوزراء أفرغت ما كنت أحمله في قلبي أمامهما وفصلت ذلك في مقابلة نشرتها الجريدة الوحيدة في هافانا وزودت السفير السعودي بنسخة منها. بقى في جعبتي حقيقتان: لقد أشرت في بداية المقال إلى ما تنقله وسائل الإعلام بما فيها العربية من ظلم وافتئات على الحقيقة عند وفاة كاسترو أوضحها فيما يلي: الحقيقة الأولى: لم يتعرض أحد بشكل مهني إلى تركة فيديل كاسترو كما ترصدها وتسجلها مصادر البنك الدولي والأمم المتحدة ومنها: 1 - تقع كوبا رغم كل ما تواجهه من عقبات في الترتيب السابع والستين من بين 188 دولة على سلم التنمية البشرية (HDI) وهو مؤشر يرصد مستوى الرفاهية في أي بلد قوامه ثلاثة عناصر هي الدخل الفردي، ومعدل الحياة، ومستوى التعليم ونوعيته، حازت كوبا على 0.81 فهي أقرب إلى الواحد صحيح أو المركز 67 متقدمة على 121 دولة (حسب أرقام 2014)، ولو اقتصر القياس على مؤشر التعليم فقط فإن مركز كوبا يقفز إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المضمار. 2 - الرعاية الصحية وهي أمر يفخر به الرئيس الراحل والرقم المتداول لعدد الأطباء في كوبا هو 88 ألف طبيب ونسبة عدد الأطباء إلى السكان هو 6.7 لكل ألف من السكان طبقاً لأرقام 2010. 3 - يعتبر التعليم الإضافي Tertiary Education أو ما بعد الثانوية العامة من أولويات الاستثمار في الدولة خاصة في مجال العلوم والتكنولوجيا. 4 - لقد سجلت معدلات النمو الاقتصادي خلال عامي 2013, 2014 معدلات لا تقل عن 2.5 % وتقدر أرقام 2015 بـ 4.4 % ويتوقعون أن يستمر هذا المعدل خلال الفترة 2016-2018 خاصة بعد تطبيق قانون الاستثمار الجديد، واحتمال أن يؤدي الانفراج مع الولايات المتحدة إلى تحسن في النمو الاقتصادي بسبب احتمال توسع السياحة بنسبة 15 % يضاف إلى ذلك ما حققه قطاع صناعة السكر من تحسن. الحقيقة الثانية: ليس من المستغرب أن تستمر الصحف الغربية في النيل من فيديل كاسترو بوصفه حاكماً مطلقاً لا يقيم وزناً لحقوق الإنسان فهي حملة أساسها أن الراحل خرج من قبضتهم بل وأعيتهم الحيل للقضاء عليه باعترافهم أكثر من مرة لكن العيب أن تنطلي هذه على كتابنا العرب الذين يغرفون من هذه الدعاية الآسنة ويقبضون أجورهم عليها. أليس من اللافت للنظر أنهم في واشنطن يشتمون كاسترو ويترحمون على سلفه باتستا مع وصفهم له بأنه حاكمٌ مطلق فاسد، أليس هذا هو نفس المشهد الذي نفذوه في تشيلي عام 1973، أليس سلفادور اللندي هو كاسترو وبنوشيه هو باتستا. إنه تاريخ يبحث عمن يعيه ويستوعبه وصدق الله العظيم عندما قال: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

مشاركة :