المهدية التونسية تختتم فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي

  • 12/5/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

المهدية .. المكان والمكانة.. جمال التفاصيل وسحر المدينة وعراقة التاريخ.. البحر مجال للخيال والألفة وقول بالقصيدة وهي تنبت في الأرجاء في حيز من ذهب الأزمنة. مرة أخرى وبعد فعاليات دولية للفنون التشكيلية وغيرها في ضروب أخرى كالمسرح والموسيقى والسينما.. وما الى ذلك من صنوف الابداع والامتاع. هذه المرة للفتية من شعراء وكتاب ونقاد من أقطار عربية شتى من المغرب الى المشرق أن يمضوا صوب عاصمة الفاطميين قديما لاقتراف المعاني والكلمات وفق سؤال جوهري حارق وخطير وهو "لماذا الشعر الآن؟". إنها المتاهة الرائقة والجميلة تقصدا لنحت الكيان وتأصيل الذات في عالم يشهد تشييء الكائن وتحويل العوالم والثقافات الى متحف مهجور. لقد نجحت ادارة الفعاليات في تخير هذا السؤال ليصير المحور والمعنى طيلة الأيام التي قضاها ضيوف المهدية بالمكان الذي احتفى بهم فاتحا لهم الأحضان والوجدان. وبرز ذلك بالخصوص في الحفل الاختتامي حيث تم تكريم الضيوف وأبناء الجهة والوطن من الشعراء وغيرهم. لقد اِختتمت المهدية فعاليات الدورة الأولى لمهرجان الشعر العربي والذي شهد مشاركة واسعة من قبل شعراء ونقّاد عرب وتونسيين، وشمل الإفتتاح الذي حضره جمهور كبير من الطلبة ومريدي الشعر تكريم الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس الذي نزل ضيف شرف على المهرجان، فضلا عن أمسية شعرية شاركه فيها الشاعر والناقد التونسي منصف الوهايبي في إدارة لرئيس اتحاد الكتّاب التونسيّين الشاعر صلاح الدين الحمادي. فقرات المهرجان اشتملت على قراءات شعرية توزّعت على عدد من مدن الولاية مثل قصور الساف والشابة والجم وسيدي علوان أين شهدت كل الأمسيات المبرمجة نجاحا جماهيريا ملحوظا. وحرص المندوب الثقافي علي المرموري على توفير مقومات النجاح للفعاليات الى جانب البرنامج الترفيهي والسياحي للضيوف. وقد نسقت الشاعرة أمال جبار فعاليات الدورة بينما اهتم بالجانب العلمي وندوة المهرجان الناقد الدكتور حاتم النقاطي حيث تضمّن برنامج المهرجان ندوة علمية على مستوى عالِ من الأهمية ذلك أنّها طرحت سؤالا يحيل إلى عدد من الأسئلة الأخرى المتعلّقة بالشعرية العربية، حيث تخيّر المنظمون أن يطرحوا السؤال "لماذا الشعر الآن"، وهو ما حدا بالمشاركين إلى تقديم ورقات نقدية وتأويلية سعت للإجابة عن هذا السؤال الذي فتح بدوره باب تساؤلات أخرى أكثر تشعّبا حول واقع الشعر العربي اليوم ودوره وما مدى حاجتنا له. وأكد ضيف مهرجان الشعر العربي بالمهدية الشاعر والناقد المغربي محمد بنّيس أنّ الشعر اليوم أصبح صعبا جدّا والعثور أصعب، والصعوبة تأتي في رأيه من كون الذين يشتغلون على النص الجيد قليلين جدا. وواصل بنّيس "الأصعب أننا لا يمكن أن نصل إلى النوع الجيد بسهولة لكثرة الإلتباسات الموجودة في هذا المجال، وأنا أظن أننا نحتاج إلى ذائقة شعرية قوية متعلمة لها مراس في قراءة الشعر لكي تدرك فعلا جودة الشعر. كما أنا نحتاج إلى نقاد من مستوى رفيع جدا، من حيث النظرية وحدها ولكن أيضا في الذائقة الشعرية لكي نفتح أبواب الشعر، لأنه مثل الفيلم الجيد والمسرحية الجيدة واللوحة الفنية الجيدة يحتاج إلى ذائقة جيّدة. الناقد الأردني جمال مقابلة تحدث عن ضرورة المحافظة على تقليد التزامن بين الإبداع الشعري وبين السؤال النقدي لأن الشعر والنقد متلازمان تلازم طبيعي في سياق الثقافة العالمة، وطرح سؤال الشعر الآن بهذا الاتساع والكيفية يعني لي أنّنا سنبقى ضمن الخيارات الشعرية المتاحة، فكما أن هنالك تعددا في الأصوات الشعرية والتحوّل في البنى الشعرية والأساليب المختلفة على امتداد الأزمنة والأمكنة ستكون هناك قراءات لهذه العبارة تظهر من أفق لغوي أو فلسفي أو وجودي أو حضاري أو ثقافي. إنّ سؤال لماذا الشعر الآن فيه من الإتساع ما يسمح بمناقشته على المستويات السطحية أو المستويات العميقة، فيه اتّساع يشمل الكلام في الشعر العظيم كما يشمل أبسط أنواع الشعر أو أقلّها أهمية. وأنا دائما أقول بضرورة تجاور كل مستويات الشعر لأن البشر مختلفون في النظرة الفلسفية والمقدرة اللغوية والأحاسيس والمشاعر واستشعار المقروء. الشاعر نايف الجهني من السعودية: سؤال الشعر الآن لا بد أن يتفرّع إلى ضفاف تؤدّي إلى الحقيقة الشعرية ودور الشعر في هذا العصر، وكيف يمكن أن يحدث الشعر الحركة في المياه الآسنة. الشعر يتطلب الكثير من البحث والكثير من التأمّل ويحتاج أن تُربط كافة عناصره لنصل إلى صورة أخيرة أو مشهد أخير يمكن أن يساعدنا على الرؤية ويمكن أن يمكّننا من الوصول إلى ما نريد الوصول إليه. الشعر من خلال المداخلات التي قُدمت يكاد ينبئنا بصحّته الجيدة وعافيته وقدرته على مواجهة كافة أشكال التغيّرات والتطوّرات في حياتنا، كما أنّه يشير إلى ما تتمتّع به هذه الأمة من ميزة وخاصية وهي الشعر، فإذا كان الشعر خاصيتنا المتفردة فلا بد أن نعتني به ونهتمّ به حتى يصل ويخترق هذا الوعي لنصل إلى صورة مشرقة للإنسان في هذا العصر. الناقدة آمنة بلعلي من الجزائر، أشارت إلى أنّ كل الأسئلة صالحة لأن نطلقها في سياق السؤال الشعري، لماذا الشعر الآن؟ كم من الشعر الآن؟ كيف هو الشعر الآن؟ والواقع العربي يقول لنا اليوم بأنّ لدينا تراكما كبيرا من الشعر، وهذا التراكم يستدعي منّا عملية توصيفية أولا كي نرى كيف الشعر وكيف حاله ما علاقته بالواقع الذي نعيشه في ظل التحولات المعاصرة وفي ظل ثقافة العولمة التي تجرّنا طوعا أو كرها إليها وتجعلنا ندخل تاريخا آخر غير تاريخنا الخاص. الشعر أب الفنون وله علاقة وطيدة بوجودنا، فنحن حين نسأل عن الشعر فإنّنا نسأل عن وجودنا وكيف نحن وأين وصلنا وكيف نساير هذا العالم الذي من حولنا، وهل نسينا وجودنا ولم نعتنِ به كما تعتني به الشعوب الأخرى التي تخلق تاريخا لها استنادا إلى التطور الهائل الذي تعيش، لذلك كل الأسئلة صالحة لأن تطرح حول الشعر في هذا الزمن. الناقد والأكاديمي المصري أحمد عبدالحميد عمر رأى أن المنظمين فضّلوا طرح السؤال الأكثر جذرية لأنه ربما سوف يتفرع عنه أسئلة أخرى، ورغم ما قد يبدو من أن هذا لسؤال ينطلق من أزمة الشعر في هذا العالم إلاّ أن الإجابات البحثية والقراءات الشعرية تنبئ أن ثمة اهتمامات حقيقية بالشعر متأصلة في النفس البشرية وأن ما يختلف من عصر إلى عصر هو مدى الوعي بحدّة هذه الأزمة، إذن لا لوجود أزمة ولكن العقل العربي عموما يميل إلى فكرة الأزمة، وكان طيلة الوقت يُطرح السؤال وطيلة الوقت يُكتب الشعر ويقرأ القرّاء. الشاعر والإعلامي المغربي ياسين عدنان، تحدث عن العزوف عن الشعر وعن الإحساس أن الهوة بدأت تتسع بين المعنيّين بالشأن الشعري من منتجين ونقّاد والجمهور العام الذي لم يعد يبحث عن الشعر ولا يبحث عنه ولا يهتمّ به. اتساع هذه الهوّة هو الذي جعل النقّاد يعيدون سؤال الحاجة إلى الشعر، وهل هناك حاجة فعلية للشعر وهو سؤال مشروع ومداخله متعددة، فاللهجات المحلية في بلداننا العربية بدأت تخلو يوما بعد يوم من المجازات والاستعارات والأمثال التي كانت ترصّع كلامنا اليومي، وخاصة الأجيال الجديدة التي أصبح كلامها مقتضبا لا خيال فيه ولا بلاغة. على مستوى الكتابة فسوق الكتاب والكتاب الشعري تحديدا يتبرّم منه كل الناشرين الكبار حيث أصبح عبئا عليهم وخارج حسابات الدعم، لأنّ الناشر يرى أنّه ليس مضطرا لنشر كتاب لا قارئ له. اذن.. دورة ناجحة وقوية من حيث الاعداد والإنجاز والتنظيم وأسماء بارزة بعيدا عن ظاهرة مهرجانات الفيس بوك والدعوات الأنترنتية والمحصلة أن المهدية بفعلها الثقافي هذا قد ضربت موعدا آخر مع الكلمات. مع القصائد ومع جمهور الشعر. عاد الشعراء الى بلدانهم وظلت الكلمات عالقة هناك في صفحات مياه بحر المهدية هذا الذي ألهم كثيرا شاعرنا الكبير المنصف غشام.

مشاركة :