تتالت رسائل التهنئة عليّ مساء الجمعة الفارطة من بعض المشايخ والمثقفين، وكلهم يهنئون بتعيين الزميلة الكاتبة كوثر الأربش في مجلس الشورى السعودي. السبب في امطاري أنا بتلك التهاني؛ لأنني كنت أُشهر اسم أختنا الأربش كصوت وطني شيعي معتدل، في خضم مجادلاتي مع الذين يضعون الشيعة جميعهم في قالب متطرف واحد. أزعم أنني في صميم الحراك الشيعي المحلي، وتوهجت أسماء اصلاحية عديدة خلال السنوات العشر الماضيات، بعضها لم يستطع المواصلة أمام الحصار المجتمعي الطائفي هناك، فآثر العزلة والسكوت. البعض انتكس على عقبيه لأنه لم يتحصّل على ما يريد من منصب طمع فيه أو مال، البعض القليل لمّا يزل في جهاده الاصلاحي، وأزعم أن كوثر الأربش أحد هؤلاء، بل هي الأميز على الاطلاق. لماذا كانت كوثر كذلك؟ الزميلة الكاتبة والمكافحة، انتبهت لأهم قضية يعاني منها شيعة الخليج، وهي مسألة الولاء لإيران، وكتبتْ طويلا طويلا في هذه المسألة، وأبانت عن موقف وطني فاصل لا لبس فيه ولا تقية ولا تمييع، بل وكانت تناقش أبناء طائفتها بكل العقلانية في هذه المسألة، وبحسب معتقداتهم، فكانت تقول: ماذا قدمت لنا إيران؟ أو بالأحرى: ماذا نريد نحن من إيران؟. إذا كان ما يريده الشيعي العربي زيارة أضرحة الأئمة، فهل ساعدته؟. هل مهدت الطريق؟. هل تحاشت أي ما من شأنه أن يعوق تأدية الشيعة لشعائرهم الدينية؟. هل وضعت شيعة العرب في حساباتها حينما وقفت عدوًا إستراتيجيًا للمملكة وللحكام العرب؟. منذ عهد الخميني: حينما زعم أنه سيقوم بتطهير مكة، على حد قوله-؟. بالتأكيد لا، أعيدها لك أيها الشيعي العاقل مرة أخرى: قطعًا لا. بمثل هاته المناقشات العقلية كانت تمضي، وتناقش المفكرين الشيعة العرب والخليجيين حيال المسألة الأحرج لهم، ولذلك تعرضت لكثير من الحصار المجتمعي بسبب أفكارها، ودفعت أكلافا باهضة لتمسكها بآرائها الخاصة، الفكرية والمذهبية منها والوطنية، وعندما وقعت الكارثة في فقدها لابنها الأغلى محمد قبل عامين، وقتما هجم على الداعشي الذي همّ بتفجير المسجد في القطيف، ومات -يرحمه الله- في بطولة خالدة؛ انفلتت عليها أقلام الشامتين من متطرفي الشيعة، ولم تسلم من تهكمات خصومها، وانتظروا منها أن تتراجع عن مواقفها، ظنا منهم أن فقدانها لابنها سيعيدها لحظيرة المتطرفين كردّ فعلي بشري متوقع، فإذا بها تكتب مقالة أبكتنا جميعا، وذهبت لتعزّي والدة القاتل، وتقول في بيانها: لقد ذهب محمد حُرّا، اختار أن يكون درعا للمصلين. ترك لأمهات أصدقائه أن يحتضن أبنائهن كل يوم، وترك حضني فارغا منه. فأحمد الله أنه لم يكن لي ابنا كارهاً، محرضا، طائفيا مؤذيا للناس. بل افتدى الناس وذهب هو. كما أعزّي أمّ قاتل ابني وأعظم لها الأجر. لقد اختار ابنك خيرة الشباب وأنقاهم، ولو بذل جهده لينتقي لم يكن انتقاؤه بكل هذه الدقة، وأنا على معرفة تامة أن قلبكِ الآن كقلبي.. حزين وباكٍ. كتبتُ حينها أطالب الوطن أن يكافىء هذه الصابرة المجاهدة، فهي أنموذج وطني خلاق لشيعة الخليج، الذين أطالبهم أن يقوموا بمفاصلة واضحة ضد التطرف وضد كل من يهدد أوطانهم من الصفويين والدواعش وكل من يريد ضرب الوحدة الوطنية في بلداننا الآمنة. مبارك كوثر الأربش، وقلت لك ذات يوم: الوطن لا ينسى أبدا أبناءه الذين يضحّون بصدق لأجله، وها أنا اليوم كسبت الرهان. دكتور عبد العزيز قاسم
مشاركة :