السياسي الجزائري رحابي: المعارضة في بلادنا تعاني تضييقات لا حصر لها

  • 12/5/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المعارض الجزائري عبد العزيز رحابي •عبد العزيز رحابي: فكرة توريث الحكم بالعالم العربي باتت من الماضي •الرئيس بوتفليقة جمع بين يديه كل السلط.. و استقالة عمار سعداني لم تؤثر في المشهد السياسي •الفكر السائد في الخطاب السياسي الجزائري هو أن التغيير يجب أن يكون من داخل النظام وليس خارجهِ الجزائر: ياسين بودهان في حوار خص به «المجلة»، أكد المعارض الجزائري عبد العزيز رحابي الذي شغل سابقا عدة مناصب سامية في الدولة الجزائرية أهمها سفير ووزير الاتصال والثقافة وناطق رسمي باسم الحكومة في عهد حكومة إسماعيل حمداني (1998 1999)، أن المعارضة ببلاده تعاني مضايقات لا تعد ولا تحصى، وأن ما تعيشه الطبقة السياسية اليوم يعد تراجعا كبيرا لما تحقق من مكاسب قبل بداية الولاية الأولى للرئيس عبد العزيز بوتفليقة عام 1999. رغم أن المعارضة تعاني برأي رحابي إلا أنه شدد على أن التجربة المعارضة الجزائرية يجب التنويه بها، خصوصا أنها استفادت من التجربة القاسية التي مرت بها البلاد سنوات التسعينات، حيث باتت المعارضة أكثر نضجا، وانتقلت من السجال الآيديولوجي، والتوظيف السياسي للدين، وتجنب الدخول في سجالات متعلقة بالهوية واللغة والدين، إلى مناقشة القضايا المصيرية الكبرى للجزائريين. وبخصوص الصراع المفترض بين أجنحة السلطة، نفى رحابي وجود أي صراع، مؤكدا في الوقت نفسه أن الرئيس بوتفليقة جمع بين يديه كل السلط، واعتبر أن استقالة عمار سعداني الأمين العام لحزب الأغلبية لم تؤثر في المشهد السياسي، لأن الرجل كان مكلفا بمهمة تتمثل في الإطاحة بمدير الاستعلامات والأمن وانتهت مهمته الآن. وأضاف رحابي أن فكرة توريث الحكم في العالم العربي تم القضاء عليها بفضل أحداث الربيع العربي، كما تطرق لعدة قضايا أخرى متعلقة بالانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل، وملف التضييق على وسائل الإعلام، ومواضيع أخرى. وفيما يلي نص الحوار * بداية أستاذ رحابي خلال الأشهر الأخيرة برزت تجاذبات على مستوى السلطة عكسها تضارب تصريحات المسؤولين وبعض من وزراء الحكومة بخصوص ملفات فساد، أو قرارات متعلقة بتوجهات اقتصادية، ما تفسيركم لأسباب هذا التجاذب؟ إذا كانت ثمة تجاذبات بين أطراف المعارضة أو داخل السلطة فهذا الأمر في حد ذاته ليس سلبيا أو عيبا، لكن أن يكون هناك خطاب متناقض داخل الحكومة فهذا يسبب تذبذبا وإرباكا داخل المجتمع، هذا السلوك يعطي إشارات غير إيجابية، تدل على غياب روح التضامن داخل الحكومة، وعلى غياب سلطة تحكم بين كل التيارات المتناقضة داخلها، وأنه ليس هناك سلطة سياسية، وهذا الأمر يعود بالأساس في تقديري إلى غياب رئيس الجمهورية وعدم ظهوره، لأن النشاط الحكومي في كل دول العالم يبرز من خلال اجتماع مجلس الوزراء الذي يترأسه الرئيس شخصيا، وهذا الأمر غائب منذ مدة في الجزائر. * هل تعتقد أن هذا التجاذب هو تأكيد ودلالة على وجود صراع خفي حقيقي بين أطراف السلطة بشأن الترتيب لمرحلة ما بعد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟ لا أعتقد صراحة أن هناك صراعات داخل السلطة أو بين أقطابها، لأن رئيس الجمهورية يمتلك سلطة مطلقة، هو قائد الجيش، وهو الذي يعين رؤساء أحزاب الموالاة، ويعين أعضاء الحكومة، بوتفليقة منذ 19 عاما هو صاحب السلطة الفعلية وبيده كل القرارات، ولا توجد في الجزائر مؤسسات، لأن المؤسسات الرسمية اليوم تفتقد للمصداقية، ونحن انتقلنا من مرحلة الرئيس كرئيس دولة، إلى بوتفليقة كرئيس سلطة. السؤال الذي يطرح نفسه اليوم في ظل غياب الرئيس عن المشهد السياسي لأسباب صحية، لأنه لم يخطب أمام الشعب الجزائري منذ مايو (أيار) 2012، هل هو صاحب كل القرارات التي تتخذ اليوم؟ أم أنه فوض جزءا من صلاحياته لمقربين منه أو للحكومة أو للمؤسسة العسكرية، هذا هو السؤال الحقيقي اليوم والذي يبحث الجميع عن إجابة عنه. * الحديث المتعلق بصراع أطراف السلطة نقله إلى العلن الأمين العام السابق لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني، والذي كان خلال السنوات الثلاث الأخيرة واجهة لصراع مفترض بين مؤسسة الرئاسة وجهاز المخابرات، وهذا الرجل أعلن استقالته هذا الأسبوع، هل تعتقد أن ذهابه سيعيد التوازن على مستوى أطراف النظام؟ سعداني في الواقع لم يكن صاحب قرار في السلطة، هو عيّن من طرف رئيس الجمهورية في ظروف غير واضحة، وأقيل كذلك في ظروف غير واضحة، وبالتالي هو كان مكلفا بمهمة، ولاحظنا أن الرجل شارك بطريقة غير مباشرة في تنحية الفريق محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق) من على رأس دائرة الاستعلامات والأمن (المخابرات) ومع ذهاب توفيق انتهت مهمته، لكن يبقى حزب جبهة التحرير الوطني هو الذي يعرف صراعا، وهو الصراع الذي يعطي انطباعا بأنه حزب غير منسجم للأسف الشديد، لأن الحزب قوة سياسية تاريخية، وما يعيشه للأسف الشديد يعطي إشارات غير جيدة للجزائريين. لكن إذا رجعنا إلى طبيعة النظام الجزائري منذ نشأنه خلال ثورة التحرير نجد أنه متكون من مجموعة صغيرة متماسكة ومتضامنة، تكون هي السلطة الحقيقية، ثم تفوض المؤسسات، لذلك مشكلتنا في الجزائر هي أن المؤسسات ليست هي التي تحكم وتقرر، وإنما السلطة السياسية التي تكون خارج هذه المؤسسات هي التي تحكم وتقرر، وخلال السنوات السابقة كانت المجموعة تضم أربعة إلى خمسة أشخاص، لكنها صارت الآن كلها مجتمعة في شخص الرئيس بوتفليقة. * وهل تتوقع أن يكون لرحيل سعداني انعكاسات على مستقبل النظام؟ لا لا أعتقد ذلك، المشكل لا يكمن في حزب جبهة التحرير، ولا في أمينه العام، ما دام معينا من طرف الرئيس بوتفليقة، الأمر مرتبط بالرجل الوحيد الذي يمتلك كل الصلاحيات السياسية، إذا كان الرئيس يمتلك فعلا رغبة في إحداث إصلاحات سياسية في البلاد ستكون هناك إصلاحات، وفي الواقع فإنه لا توجد أي مجموعة سياسية داخل السلطة لها رأي سياسي مخالف لرأي الرئيس، وحتى القوى السياسية الموالية فهمت اللعبة وسبحت مع التيار. ما سبق هو السبب المباشر في حدوث انسداد في المشهد السياسي الجزائري، الذي يحدث الآن مجرد نشاط سياسي افتراضي، ومعارضة مهمشة ليس لها القدرة حتى الاجتماع في قاعة أفراح، كما أن السلطة لا تزال تسير بأنماط الستينات، وتعطي الانطباع بأن الجزائر ليست دولة عصرية خصوصا من ناحية التفكير، وأنها لا تزال تعيش المعارك السياسية نفسها التي كانت تعيشها في الستينات، وهذا الأمر مخيف ومقلق، لأن التجارب التي عاشها الجزائريون أثبتت أن كل انسداد سياسي يخلق أزمة، لذلك لا أعتقد أن تنحية شخص أو مجيء آخر يعالج المشكلة. * بحديثكم عن الرئيس بوتفليقة، أول تصريح للأمين العام الجديد لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس كان إعلان تأييد حزبه لترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، كيف تعلقون على الأمر؟ أقول بأن الجزائر دخلت في أزمة لما دخلت في فكرة الرئاسة مدى الحياة، ومن باب إحقاق الحق، في نهاية التسعينات عندما تم على أعلى مستوى في هرم الدولة لقاء لتشخيص أسباب الأزمة الأمنية التي كانت تعيشها البلاد وتداعياتها وصلنا إلى نتيجة مفادها أن الرئاسة مدى الحياة، والسلطة المطلقة، ظاهرة تخلق اللاعقاب، وتخلق الرشوة، والفساد، وعدم محاسبة الحاكم والمسؤول، فلو لم تكن الرئاسة مدى الحياة وعقلية توريث الحكم في سوريا والعراق ومصر لما عاشت هذه الدول ما تعيشه اليوم، لأن من مزايا ما يسمى الربيع العربي على علاّته الكثيرة، هو أنه قضى على فكرة التوريث في هذه المنطقة من العالم. وبالنسبة للجزائر كان أول بلد في العالم العربي قضى على فكرة الرئاسة مدى الحياة من خلال تحديد فترات الرئاسة بولايتين فقط من خلال دستور 1996، لكن اليوم للأسف فقدت الجزائر هذه الميزة، وتحولت بعد إلى البلد العربي الوحيد الذي حافظ على فكرة الرئاسة مدى الحياة من خلال عدم تحديد الفترات الرئاسية. * لكن التعديل الدستوري حدد مجددا الولاية الرئاسية بفترتين غير قابلتين للتجديد؟ الرئيس لم يكن مخيرا في ذلك بل كان مجبرا، أولا بسبب ظروفه الصحية، وثانيا بسبب ضغط المحيط والظروف الدولية والإقليمية، إلى جانب ما تعيشه بعض من الدول العربية والأفريقية. * في ظل هذا المشهد السياسي، كثيرون يتساءلون عن المعارضة، البعض يتهمها بالغياب، وآخرون ينتقدونها لعدم قدرتها على الضغط على النظام، وآخرون يقولون إن المعارضة باتت لا تصنع المشهد السياسي، وإنما تكتفي فقط بردود الأفعال على ممارسات السلطة؟ بالنسبة لنشاط المعارضة فهذا أمر يقاس بطبيعة النظام الشمولي الذي لا يسمح للمعارضة بأن تجتمع في القاعات، ومؤتمر المعارضة الذي تشرفت برئاسته في مارس (آذار) الماضي بزرالدة منحت لنا قاعة لا تتسع إلا لـ320 مقعدا، ونحن اعتمدنا ما يزيد على 140 صحافيا، وفي اليوم نفسه منحت قاعة لحزب جبهة التحرير الموالي تتسع لأكثر من 7 آلاف مقعد. وفي الواقع فإن الخطاب السياسي السليم، هو إشراك المعارضة وطلب رأيها في المسائل الجوهرية والمصيرية، مثل أن تستشار في المنظومة التعليمية، أو قضايا الاقتصاد ومسائل مكافحة الفساد وغيرها، لكن أن تطلب منها عدم تجنيد مناضليها، أو المتعاطفين معها، وأن يطلب منها عدم الخروج للشارع فهذا خطاب غير مقبول. لكن رغم ذلك أشدد على أن المعارضة مكانها في البرلمان، وليس في الشارع، ومن أجل أن تصل للبرلمان يجب أن تصل للمواطن، ومن أجل الوصول للمواطن يجب أن تفتح لها القنوات، مثل وسائل الإعلام العمومية، وقاعات الاجتماع، لكن الذي يحدث للأسف هو أن المضايقات ضد المعارضة لا تعد ولا تحصى، وما تعيشه الطبقة السياسية اليوم يعد تراجعا لما تحقق من مكاسب قبل ولاية الرئيس بوتفليقة. وأنا أتساءل بالمقابل، هل يعقل اليوم، ونحن نعرف قوة التيار الإسلامي بالجزائر، ألا يكون له تمثيل في مؤسسات الدولة، خصوصا أن هذا التيار استفاد من التجارب السابقة للإسلام السياسي في العالم الإسلامي عموما، وفي تونس والمغرب خصوصا، هذا التيار بات أكثر نضجا، لكن للأسف السلطة لم تستفد منه، وهو الأمر الذي يقال أيضا عن التيار الديمقراطي الحقيقي، الذي بات أكثر انتشارا وقوة داخل المجتمع الجزائري الذي تطور كثيرا. عبد العزيز رحابي * من خلال إشارتك لمؤتمر مزافران الذي اجتمعت فيه قوى المعارضة، اللافت أن الأحزاب المشاركة فيه بذلت جهودا حثيثة للتوافق على مشروع سياسي موحد، الآن بعد مرور أشهر ما الذي تحقق من توصياته؟ لا حياة لمن تنادي، المعارضة اقترحت فتح نقاش سياسي جاد بين السلطة والمعارضة، حول الوضع السياسي العام في البلاد، وحول أهم التحديات الخارجية التي تواجهها، خصوصا مسألة الأمن على مستوى الحدود، كما اقترحت على السلطة تنظيم انتقال ديمقراطي سلس ومتوافق عليه، لكن كل هذه المطالب تم تجاهلها من طرف السلطة. لكن رغم تجاهل السلطة يبقى برأي أن أكبر مكسب للجزائر من الأزمة السياسية والأمنية التي عاشتها في مرحلة التسعينات، هو حصول توافق كبير على مستوى الطبقة السياسية المعارضة، وأنا أصبح شغلي الشاغل هو أن أدعم هذا التوافق، والعمل على تقويته أكثر، خاصة فيما يرتبط بالقضايا الأساسية، مثل قضايا الأمن، والشغل والاقتصاد والمدرسة وغيرها. والهدف بالمجمل هو أن تخرج الطبقة السياسية من السجال الآيديولوجي، والتوظيف السياسي للدين، وأن تتجنب الدخول في معارك متعلقة بالهوية واللغة والدين، كل هذه السجالات تجاوزنها بفضل التجربة التي مر بها الجزائريون، وهذا في حد ذاته إنجاز سياسي كبير جدا، ويجب تثمين هذه القفزة في العمل السياسي بالجزائر. وفي الحقيقة فإن خطاب المعارضة اليوم أصبح أكثر نضجا وإدراكا لمتطلبات الفرد الجزائري، وصارت تناقش كيفية تسيير المال العام، ومحاربة الرشوة، وكيفية النهوض بالمدرسة الجزائرية، وكيف يتم تحقيق الحماية الاجتماعية للمواطن الجزائري وكيف يتم تأمين الحدود. * لكن ألا تعتقد أن المعارضة أمام امتحان صعب للحفاظ على هذا التوافق، في ظل تضارب التصريحات بين قادتها بخصوص المشاركة في الانتخابات التشريعية المقررة العام المقبل؟ أكيد، كان هناك نقاش داخل هيئة التنسيق والتشاور للمعارضة حول هذا الموضوع، وكان هناك شبه إجماع حول ضرورة الرجوع إلى القواعد النضالية، والقيادات الحزبية للحكم في قرار المشاركة لأي حزب من عدمه، ووقع نقاش كبير داخل هذه الأحزاب بخصوص مسألة المشاركة، لكن الشعور السائد هو أن سياسة الكرسي الشاغر لا تحقق أي مكاسب، مع العلم بأن الإدارة ستلعب مرة أخرى دورا مميزا في النتائج، لأن الهيئة العليا لمراقبة الانتخابات التي أسسها الرئيس بوتفليقة ليست لها أي مصداقية ما دام أعضاؤها كلهم موظفين لدى الدولة. وهذا دليل على أن النظام السياسي الجزائري لم يتغير كثيرا فيما يخض تنظيم الانتخابات، لأنه رفض أحد المطالب الملحة للمعارضة والمتعلق بهيئة مستقلة لمراقبة وتنظيم الانتخابات. * يعني المعارضة تطالب بهيئة مستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات وليس هيئة للمراقبة فقط؟ نعم هيئة تنظم وتراقب، وهو الأمر المتعارف عليه في عدة دول في العالم، ففي بعض دول أميركا اللاتينية توجد محاكم عليا انتخابية، لذلك نحن نتساءل لماذا تخاف الدولة من عملية تنظيم الانتخابات من خلال إنشاء هيئة مستقلة؟ وهذا الأمر برأي يعكس غياب الرغبة لدى السلطة في تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. * في ظل هذه المخاوف ما الخيارات المتاحة برأيكم للمعارضة لتسيير المرحلة المقبلة؟ المناضل حين ينتمي لحزب سياسي ما بهدف ممارسة النضال السياسي يدرك صعوبة تغيير النظام خارج المؤسسات، لذلك هو يريد المشاركة في الانتخابات مع أمل حدوث تقليل في نسبة التزوير. وحاليا الفكر السائد في الخطاب السياسي الجزائري هو أن التغيير يجب أن يكون من داخل النظام وليس خارجه، وذلك عن طريق الدخول في مؤسسات الدولة بواسطة صناديق الاقتراع، لأن التجارب السياسية في مرحلة التسعينات أثبتت أن بلادنا هي بلد القطيعات العنيفة، لأن السلطة السياسية لا تتنازل إلا تحت الضغط الخارجي، والدليل على ذلك السماح بظهور القنوات الخاصة كان تحت تأثير بداية الربيع العربي وهو الأمر الذي يقال عن اعتماد بعض الأحزاب. * بحديثك عن فتح المجال السمعي البصري والسماح ببروز قنوات خاصة ألا تعتقد أن سلسلة التضييقات التي طالت بعض القنوات من خلال غلقها يجعل من هذه المبادرة إجراء بلا روح ومجرد مبادرة لذر الرماد في العيون؟ السلطة السياسية تريد للقنوات الخاصة أن تكون امتدادا مباشرا للإعلام الحكومي، وأنا أقول إذا كان السمعي البصري لا يمثل الشعب، ولا يعبر عن حاجياته، وطموحاته، وانشغالاته، فإن الملاذ الوحيد للجزائريين يبقى الإعلام الخارجي. وهذا الأمر من المشكلات المزمنة التي تعاني منها الجزائر منذ التسعينات، وفي الحقيقة فإن خلق إعلام متوازن أمر ليس بالسهل، ويتطلب شروطا أهمها تكوين الصحافيين، وتحمل الناشرين لكامل مسؤولياتهم. ولأن الفكر السياسي السائد حاليا في الجزائر ينظر للإعلام بوصفه أداة للوصول إلى السلطة أو الخلود فيها، وليس باعتباره أداة للتكوين والترفيه، فقد بقي مستوى الإنتاج السمعي البصري الجزائري ضعيفا جدا، حيث تستورد نحو 75 في المائة من حجم استهلاك المواد الإعلامية، وهذا الأمر يعتبر خطرا على الهوية والسيادة الوطنية. ومن المفارقات العجيبة هو أن إنشاء قنوات فضائية أمر يتطلب أموالا طائلة، لكن في الجزائر تقبل السلطة بأن يختلط المال بالسياسة وتمنع أن يختلط المال بالإعلام، وفي الواقع فإن السلطة ليس لديها أي نية في فتح المجال السمعي البصري لأنها تخاف من الشفافية والمساءلة، وأن يتم الكشف عن قضايا الفساد داخل دواليبها. * الرئيس بوتفليقة حذر في رسالته بمناسبة اليوم الوطني للصحافة المصادف لـ22 أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام من مخاطر الإعلام الإلكتروني والذي قال بشأنه إنه يهدد الأمن القومي، وهذه التصريحات سبقتها تصريحات لوزراء في الحكومة يحذرون من مخاطر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى هذا الحد بات الإعلام الإلكتروني مقلقا للسلطة؟ هذه معركة خاسرة قبل بدايتها، لأنه ليس لك أي قوة أو وسيلة لمقاومة هذه الوتيرة العالمية لانتشار الإعلام الإلكتروني، فليس للجزائر أي إنتاج مؤثر، وفي هذه السوق إما أن تنتج وتؤثر في السوق، وإما أن تستهلك ما ينتجه الآخرون، هذا الخطاب السياسي يذكرني بخطاب السبعينات.

مشاركة :