تشهد الجزائر مطلع الربيع القادم انتخابات تشريعية على وقع أزمات متعددة ومعقدة، ليس أولها انهيار أسعار البترول وتراجع عائداتها من العملة الصعبة، ولن يكون آخرها الوضع الأمني المحيط بها بعد انتكاس الثورة الليبية، والتدخل الفرنسي في مالي، وغيرها من الأخطار الأمنية، في ظل هذه الأوضاع مررت السلطة قانون الانتخابات وقبلها الدستور المثيرين للجدل وغير المرحب بهما من المعارضة، فالدستور الذي قاطعت المعارضة مشاوراته وجلسة التصويت عليه وحاز أغلبية مطلقة في البرلمان الجزائري المطعون فيه أصلاً (برلمان الحففات "الحلاقات".. كما يصطلح عليه في الجزائر) فقد قدسيته؛ إذ تم تعديله ثلاث مرات في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أما قانون الانتخابات فتم تعديله باعتبار أننا أمام دستور جديد، ولا بد للقوانين العضوية أن تتكيف معه. لكن التساؤل الذي يفرضه الوضع السياسي في الجزائر هو: ما مدى ضمانية نزاهة الانتخابات؟ وهل الدستور وقانون الانتخابات الجديدان يعطيان الضمان الكافي لنزاهة الانتخابات؟ هيمنة الإدارة جاء قانون الانتخابات الجزائري في 225 مادة مبوبة على ثمانية أبواب، القانون يحتوي على مواد ملغمة وغامضة ناهيك عن أنه يكرس هيمنة الإدارة، فهي تدير العملية الانتخابية من ألفها إلى يائها، ومن نقاط الظل في القانون غموض الهيئة الناخبة التي تطالب الأحزاب دوماً بالاطلاع عليها، ما جعل الإدارة ممثلة في وزارة الداخلية صاحب العلم بما تحويه، خاصة أن هناك حديثاً على أن القائمة تحتوي على 3.5 مليون متوفى لم يتم شطبهم منها، ما يمثل نحو ثلث الأصوات المعبر عنها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة (10220029 صوتاً)، إضافة إلى أن اللجان المشرفة على العملية الانتخابية كلها لجان تعين من قِبل الحكومة، ممثلة في وزيري العدل والداخلية، مما يجعل الإشراف القضائي ديكوراً لإعطاء شرعية لنتائج محسومة سلفاً، ويضرب بمطلب النخب السياسية بإنشاء هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات عرض الحائط. الواقعية السياسية للمعارضة يبدو قرار الأحزاب المعارضة والمنضوية تحت عباءة تنسيقية الانتقال الديمقراطي (تحالف يجمع المعارضة من مختلف المكونات السياسية) بالمشاركة في الانتخابات قراراً واقعياً؛ نظراً لقلة البدائل أمامها، خصوصاً أن تجربتها في السنوات الماضية أثبتت أن خيار التوجه للشارع ليس الخيار الأمثل، مع وجود عزوف وعدم ثقة من طرف الشعب في الطبقة السياسية، وهي حالة أسهمت السلطة في تكريسها وترسيخها، زد على ذلك عدم تشجيع الفاعلين الدوليين لأي تغيير، ومن هنا يبدو جلياً أن قرار المعارضة قرار فيه كثير من النضج السياسي والبعد عن الشعبوية، على أمل أن تقوم السلطة بإصلاحات حقيقية بعيدة عن إصلاحات الواجهة. سياسة الهروب للأمام من خلال سلسلة الإجراءات التي قامت بها السلطة في السنتين الأخيرتين، لا يبدو أنها بصدد تقديم تنازلات رغم الأزمة التي تتخبط فيها البلاد وأعادتنا إلى زمن المديونية الخارجية أخيراً باستدانتها لـ900 مليون يورو من البنك الإفريقي للتنمية "ADB"، هذه الأزمة التي تحاول غض الطرف عنها ومعالجتها علاجاً سطحياً بعيداً كل البعد عن الحلول الواقعية، إجراءات تدعو للحيرة وللتساؤل: هل السلطة الجزائرية مدركة للواقع الذي تعيشه البلاد؟ أم أنها تفضل سياسة الهروب إلى الأمام على أمل أن يستعيد البترول عافيته لتعود إلى ممارسة سياستها المعهودة بشرائها للسلم الاجتماعي؟ بين معارضة ناضجة وسلطة متطرفة لقد أظهرت التطورات الأخيرة في الساحة السياسية الجزائرية أن المعارضة يمكنها أن تكون البديل للسلطة القائمة، وأن لديها من الوعي والحس الوطني ما ليس للسلطة الحاكمة، وأنها لا تتخذ من المغالبة طريقاً للإصلاح، وأن يدها ممدودة للسلطة، ولا تجازف بالبلد، ولا تخاطر بأمنه واستقراره، وأن الكرة الآن في يد السلطة لعلها تتنازل وتحفظ الجميع، وتدع الجميع ينطلق بسفينة الجزائر نحو غدٍ أفضل، يحقق للإنسان الجزائري الحرية والعيش الكريم، ويحفظ للأجيال القادمة حقها. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :