مسلسل قيامة أرطغرل "2": الشخصيات وخزعبلات الصوفية

  • 12/6/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

ذكرتُ في المقال الأول أن المخرج قد انتقى طاقم المسلسل بعناية شديدة، وأنهم خضعوا لدورات تأهيلية في الرماية وكيفية استخدام السيف، وما إلى ذلك، كما أن أغلبهم قد خضع لتجارب تمثيل في مسلسلات تاريخية سابقة. جدير بالذكر أن الأداء قد خرج بهذه الحرفية و"الواقعية"؛ لأن الطاقم كله على دراية بتاريخ أجدادهم وطبائعهم، واتخذ إنتاج العمل رسالة التعبير عن التاريخ التركي الإسلامي الذي تم تشويهه من قِبل الإنتاجات الفنية "العلمانية"، الأمر الذي أضفى على العمل روح "الذاتية". وفي حوار مع أنجين ألتان، بطل المسلسل، ذكر فيه أنه أراد أن يكون سيفه سيفاً حقيقياً "من أجل التعرف أكثر على شعور الشخص الذي كان يحمله في تلك الحقبة، ولتكون مشاهد القتال أكثر واقعية". ولنلقِ نظرة أكثر تفصيلاً على أبرز الشخصيات: شخصية الإمام الأكبر: محيي الدين بن عربي الحاتمي، المشهور بابن عربي، وهو ليس أبو بكر بن العربي المالكي، ويتم التفريق بينهما بالألف واللام، هو الشخصية الثانوية الأعظم على مدار المسلسل. والجميل أنه في أي مشهد يظهر فيه ابن عربي تجد الأضواء تسلط عليه تلقائياً حتى يكاد يفوق شخصية أرطغرل ذاتها. الشخصية كانت بديعة جداً، وملامح الممثل كانت على قدر كبير من السماحة التي تجعلنا نصدق أننا أمام ابن عربي فعلاً؛ كونه أيقونة الروحانيات في المسلسل، فقد تم اختيار كلماته بعناية شديدة، كل الحكايات والإسقاطات التي كان يرويها من حياة الرسول وصحابته ليشد من أزر المحاربين كانت في محلها تماماً، وعلى مدار المسلسل سيرتبط في ذهنك أن هذا هو حقاً الإمام الأكبر وليس مجرد تمثيل. على الرغم من أن الشخصية -فنياً- ليس عليها أية تعليقات سلبية، فإنها لم تخلُ من المغالطات التاريخية. معلوم أن ابن عربي شخصية رمزية راسخة في العقول التركية، لكن طاقم العمل تحايل على الأحداث التاريخية لإظهارها في المسلسل. فابن عربي كان رجلاً أندلسياً سكن دمشق في مراحل حياته، وأرطغرل كان بين قونية وحلب، فحتى وإن كان الرجلان عاشا في عصر واحد فهذا لا يعني أبداً أنهما تلاقيا، ناهيك عن صداقتهما! ليس هذا فقط، بل أصرّ المخرج على إظهار الشخصية -حتى وإن لم تكن ضمن سياق المشهد- مثل ما حدث في الحلقة الرابعة والثلاثين من حيث اللامكان واللازمان! فلو اكتفى المخرج والكاتب بمشاهد التخاطر بين الشيخ وأرطغرل لكان أهون، حتى إنه في الجزء الثاني وبعد أن يتأقلم المشاهد على طبيعة وتوقيت ظهور شخصية ابن عربي، سيتمكن فيما بعد بالتكهن بما إن كانت ستظهر الآن في هذا المشهد من العدم أم لا، الأمر الذي أنقص من قدر الشخصية كثيراً، ولا أظن أن خطأ كهذا كان غير ملحوظ عند مراجعة النسخة الأولى من التصوير. أمر آخر مثير للاستفزاز لأي شخص سيأخذ من وقته خمس دقائق للبحث، هو جعل هدف هجرة ابن عربي من الأندلس لحلب -هذا إن ثبتت مقابلته لأرطغرل، فابن عربي مكث أغلب الوقت بدمشق كما ذكرت- أنه جاء لإخراج اللؤلؤة التي وقع عليها الاختيار لتكون صاحبة البشارة، وليقوم بتعليمها وأنه سيكون من نسلها أئمة الإسلام، الأمر أشبه بمن سافر فرأى مستقبل القبيلة وقيامة دولة بني عثمان ثم رجع ليبشرهم! التحدث بالرمزية كذلك كان مبالغاً فيه، ألفاظ مثل "أصبحت من أصحاب المهمات"، "وقع عليك الاختيار"، "الأمانة" ظهرت كمن يقوم بتجنيد عميل ما. أو مثلاً عندما سأل ابن عربي أرطغرل عمّا إذا كان جاهزاً لتسلّم المهمة، وأن "أهل الفتوة" في انتظاره، ثم يتم إلباسه في طقوس صوفية هي أبعد ما تكون عن المنطق قميصاً مطرزاً مكتوباً عليه آيات بالعربية كنوع من الإشارة إلى أنه هو "المختار". فلو كان مثل هؤلاء موجودين في كل زمان لما عانينا قط! في الأساس المسلسل ظهر كأنه عن رؤية ابن عربي للعالم الإسلامي وكيفية إنقاذه، وأرطغرل كان مجرد أداة لتحقيقها. التعليق الثاني والأهم، وبعيداً عن رأي العلماء وتأويلهم لصحة عقيدة الإمام، إلا أنه أظهر للمشاهد العادي مظاهر تصوف منافية تماماً للفطرة، مثل مشهد جلسة الذكر في حلب، المشهد كان متكلفاً ومبالغاً فيه جداً، وظهر فيه ابن عربي كأحد المشعوذين. ومن الواضح جداً أن إدخال الشخصية كان فقط لإضفاء طابع ديني ومساندة روحية لأرطغرل، وإن كانت مليئة بالمغالطات التاريخية. وعلى ذكر العقلية التركية، فقد تكرر أيضاً ذكر "الخضر"؛ لأن الصوفية يرون أن الخضر ما زال حياً، ففي كل مطلع غزوة لأرطغرل يتكرر دعاؤه: "يا رب ليكن جدي الخضر معي، وحضرة سيدنا علي أيضاً، وليكن ذو الفقار سيفي وحصانه حصاني". الدور النسائي: الدور النسائي كان خلّاباً جداً، كلهن أجدن أدوارهن، ابتداء بالأم هايماة وحليمة، وصولاً إلى الأدوار الثانوية كبانو شيشك. أبرز الشخصيات كانت "سالجان"، الشخصية كانت من النوع Round Character، أي كانت تلعب دوراً في بداية المسلسل ثم تحولت لعكسه، فكانت هي مصدر الفتن والخيانات في القبيلة، ثم جاء ابن عربي -كالعادة- وساعد في توبتها، وأداء شخصيتين متضادتين هو بالطبع تحدٍّ كبير. كذلك فإن الكبرياء التركي كان طاغياً بشكل ملحوظ في كل المشاهد، حتى أبسط المشاهد التي تتحدث فيها الأم هايماة مع كنتها مثلاً، فدائماً تبدأ حديثها "نحن نساء قبيلة الكايي". لكن بشكل عام محتوى الدور وأداؤه كانا رائعين، ولكن لديَّ تعليقان: الأول: هو مشهد المشادة بين الأم هايماة وسعد الدين كوبيك، فلنفترض أن الأم هايماة قد تولت مسؤولية القبيلة بعد وفاة سليمان شاه، وهو أمر لم يثبت تاريخياً قط بالمناسبة، لكن أن تقف أمام الرجل وتبدأ بوصلات التهديد والوعيد وتكلمه بكل جرأة، فهو أمر غير منطقي. التعليق الثاني: عند هروب بانو شيشك ذهبت للمغارة ومكثت هناك لفترة مع الرجال، وهو أمر أوقع المخرج في مأزق، فإن لم يراعِ أحكام الاختلاط مثلاً، فالأحداث كانت في قبيلة ومنذ 900 سنة، فإن لم يكن بحكم الدين فبحكم العادات والتقاليد القبلية على الأقل. محاربو أرطغرل: كجميع الشخصيات، كانت أدوارهم متقنة بشكل كبير، لكن من أول المشاهد سيلاحظ العنصرية التركية -التي أتحدث عنها في مقال منفصل- واضحة جداً في مشاهد القتال تحديداً. معلوم نعم أن الأتراك ذوو بأس شديد وهذا نراه في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "اتركوا الترك ما تركوكم". وهذا أيضاً في كتاب الجاحظ "فضل الترك على سائر جنود الخلافة" أيام المعتصم بالله العباسي. أو في الأبيات مثل: غلب التتار على البلاد فجاءهم ** من مصر تركي يجود بنفسه في الشام أهلكهم وبدد شملهم ** ولكل شيءٍ آفةٌ من جنسه لكن أن يستخف المخرج بالمغول والصليبيين ويصوّر أن محارباً واحداً يمكنه أن يقاتل العشرات منهم دون أن يصيبه خدش فهذا أمرٌ يرده العقل والمنطق. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :