قال عواد محمود الصبحي، رئيس لجنة أصدقاء التراث بينبع، إنه منذ سنوات كان مشروع تطوير المنطقة التاريخية بينبع وربطها بالواجهة البحرية حلمًا من الأحلام التي تداعب الأجفان، وظلت هذه البلدة القديمة سنوات وهي مهجورة من السكان ومن كل مظاهر الحياة. وأضاف بأن "شاعر الكسرة" عبَّر عن هذه الحالة المأساوية بقوله: شوف المنازل غدت أطلال *** من يوم شدوا أهاليها شـدوا وحطوا عليها أقفــال *** حتى فقدنا الأمل فيها لا ناس فيهــا ولا أشغــــال *** ماتت وجفت مراويها نخشى عليها الزمن لو طال *** تصبح خرايب وننعيها وقال "الصبحي": إن الحلم تحقق عام 1423هـ بإنشاء لجنة تطوعية باسم "لجنة أصدقاء التراث في ينبع"، بدعم ومبادرة طيبة من رئيس بلدية ينبع الأسبق، الدكتور عبدالعزيز العمار. مضيفًا: "بدأنا ننفض غبار السنين عن منازل هذا الحي المسمى (حي الصور)، وعن المنازل التراثية ذات الطابع العمراني، التي تميزت برواشينها ومشربياتها ووكالاتها التجارية، وبدأ الاهتمام بسوق الليل الشعبي التي نعتبرها تاج الأسواق في ينبع، وهي من الأسواق الشعبية المشهورة". وبيّن أن هذه السوق كانت عامرة بدكاكينها ومرتاديها إلى ما قبل 30 سنة، وهي مخصصة لأنواع معينة من السلع التي يحتاج إليها صيادو الأسماك، إضافة لبيع المنتجات البحرية، مثل الأسماك الجافة والصرنباق والبصر والأصداف، وبعض المواد الغذائية المجلوبة من ينبع النخل، كالعسل والسمن البلدي، وتمر "المجلاد"، أو ما نسميه هنا في ينبع بـ"التمرة الموطية"، والحناء والملوخية، وكذلك البن والهيل والأبازير وأدوات الصيد من الشباك والسنانير والبروسيات والعوامات وخيوط الصيد والمجاديف وغيرها. وأضاف "الصبحي": أتت فترة ركود، اضطر فيها أصحاب السوق إلى الهجرة نتيجة تغيُّر الأحوال، وتطوُّر الوسائل، وتعدُّد الأسواق الحديثة، وأصبحت سوق الليل جزءًا من التاريخ، بعد أن تهدمت بعض دكاكينها، واحترق البعض الآخر؛ فسعينا في لجنة أصدقاء التراث لإحياء هذه السوق، وترميمها، وتأهيلها؛ باعتبارها جزءًا من تراث ينبع ومعالمها؛ لتعود إليها الحياة من جديد.. فهذا الموقع له في نفوس أهل ينبع منزلة خاصة، قد لا يحس بها إلا من عاصر فترة ازدهار السوق ونشاطها. وذكر أن التواصل كان بداية مع الهيئة الملكية بينبع، التي شرعت مشكورة في هذا العمل، وأنجزت المرحلة الأولى من ترميم 22 دكانًا، ثم جاء دور الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتواصل مع نائب الأمير للآثار والمتاحف، الدكتور علي الغبان؛ فأرسل لجنة للوقوف على السوق، ومعرفة ما يلزم لاستكماله، بمتابعة فنية من فرع السياحة والتراث بالمدينة المنورة، وبإشراف ومتابعة من لجنة أصدقاء التراث، تم استكمال ترميم السوق، وإيصال التيار الكهربائي إليها، وتحقق الإنجاز. وتابع "الصبحي": تم افتتاح هذه المرحلة بحضور أمير المنطقة آنذاك، والأمير سلطان بن سلمان، والأمير سعود بن ثنيان، وكان يومًا مشهودًا، أسعد أهل ينبع بإحياء مَعْلم من المعالم التراثية المهمة في المجتمع الينبعاوي، وكانت انطباعات الجميع رائعة بعدما شاهدوا عناصر السوق والمعروضات التراثية التي تحكي عبق الماضي، وتذكرنا بالأجداد الذين كانوا في هذه السوق يمارسون البيع والشراء، ويتسامرون بحكايات البحر وذكريات الماضي الجميل، وكان عملاً مقدرًا، وجهدًا مميزًا، يسهم في المحافظة على التراث، والاهتمام به، وتقديمه للأجيال الواعدة بطريقة حضارية. وأوضح: تتابع الاهتمام، وأصبحت مشاريع ينبع التراثية والسياحية تحظى باهتمام بالغ من كل المسؤولين، وبالأخص من مجلس تنمية السياحة والتراث بمنطقة المدينة المنورة تحت رئاسة الأمير فيصل بن سلمان، ومن لجنة التنمية السياحية بمحافظة ينبع تحت رئاسة المحافظ المهندس مساعد السليم. وأنتج هذا الاهتمام متابعات وزيارات متعددة للأمير سلطان بن سلمان رئيس هيئة السياحة والتراث الوطني، كان آخرها قبل شهر من الآن؛ إذ تم استكمال المرحلة الثانية من ترميم السوق، بوجود مكتب الاستشاري المقيم، وإنشاء مكتب للسياحة والتراث الوطني في ينبع، بما يتطلبه المشروع الكبير لتطوير الواجهة البحرية، وترميم عدد من المنازل التراثية في المنطقة التاريخية، بدعم شركة سابك وشركة أرامكو، وبتعاون الملاك والورثة، وبشراكة فاعلة مع الشركاء متمثلين في بلدية ينبع والهيئة الملكية للجبيل وينبع والمؤسسة العامة للموانئ وحرس الحدود. وأوضح أن المشروع يتضمن تفصيلات كثيرة لاستثمار المباني الأثرية، بتحويلها إلى فنادق تراثية ومواقع إيواء، وهي متلازمة مع منظومة تحريك الاستثمار في المواقع السياحية المبنية على رؤية مستقبلية للهيئة، تنبثق من القيمة الاقتصادية والتاريخية والتراثية والثقافية. ويعد مشروع ينبع أحد أهم المنجزات السياحية، وفيه سيكون ربط حي الصور التاريخي بواجهة ميناء ينبع التجاري، والانفتاح على ساحاته، ومشاهدة السفن الراسية فيه عن قرب. وقال "الصبحي": بدأت بوادر هذا التوجه واضحة بعد الانتهاء من مرحلة مهمة من الواجهة والساحات المرتبطة بها، وقرب الانتهاء من مشروع رصيف اليخوت وقوارب التنزه، الذي تباشره مؤسسة الموانئ، وما نشاهده اليوم من وجود أعداد من المواطنين والمتنزهين والزوار، يسعدون بهذا الإنجاز الجميل. وأشار إلى أنه سيتبع هذا مراحل أخرى، تتمثل في تأسيس البنية الأساسية، واقتراح المساحات المخصصة لأغراض التطوير، وربط المشروع بالمشاريع القائمة ذات العلاقة.. كما تشمل عددًا من العناصر السياحية، منها: المنتجعات والإيواء السياحي، والمشاريع الترفيهية، والمشاريع الثقافية، ومشاريع الألعاب البحرية والمطاعم الشعبية.. وكلها مع الواجهة البحرية تعتبر رافدًا اقتصاديًّا مهمًّا مشجعًا وجاذبًا للسياحة المحلية في محافظة ينبع.
مشاركة :