اقتحم الكاتب الكردي السوري بدرخان المهمة الصعبة المتمثلة في شرح القضية الكردية على المستوى السوري والعربي في كتابه الجديد مسألة كردية في قلب العروبة (سجالات سياسية وثقافية)، ويعتبر هذا الأمر من المهمات الصعبة، لما لهذه القضية من تراكمات تاريخية خلفتها الأنظمة العربية القومية. وقد صدر الكتاب في العام 2014 وتم عرضه في معرض الرياض الأخير. ويقول الكاتب في توطئة الكتاب أن غرضه من هذا الكتاب هو الإجابة، بصورة أولية، عن سؤالين أساسيين: هل هناك مسألة أو قضية كردية في سوريا أم لا؟ السؤال الذي يطرح عربيا وسوريا خصوصا. وثانيا: هل الأكراد شعب، مثل غيره من شعوب المنطقة، يستحق حقوقه الإنسانية الديمقراطية «القومية»، ويؤخذ على الكتاب أن المقالات المطروحة متفاوتة المستوى واللغة والنبرة. لكنها في الغالب ذات طابع سجالي تدافع عن مشروعية المطالب الكردية في المساواة والكرامة والاعتراف بوجودهم القومي وما يتفرع من ذلك من حقوقٍ سياسية وثقافية واجتماعية. وانتقد الكاتب الخطاب السياسي الكردي في المنطقة عموما، وخصوصا ذلك القائم على الانغلاق أو الخطاب التمجيدي الغنائي لـ«الذات» الكردية، أو امتثالية قومية إنشائية. متبعا في النقد أدوات القراءة والتحليل السياسي الفكري. وقد استثار الكتاب الكاتب اللبناني حازم صاغية الذي قال: «واكب الصديق بدرخان علي المشكلة الكردية منذ سنوات. والحق أن هذه المشكلة مشاكل: فهي تتوزع على عدد من البلدان، مثلما تتوزع على عدد من الإيديولوجيات والقوى، فضلا عن كونها أيضا مسألة أجيال، وذلك تبعا للتعاقب المديد على تناولها والتعامل معها، حيث كان كل جيل يلون تعاطيه بلون زمنه وظروفه المعطاة». ويضيف صاغية «فإذا أضفنا الأهمية المحورية للمشكلة الكردية، التي هي في وقت واحد مشاكل عراقية وإيرانية وتركية وسورية، بدا من المدهش حجم النقص في درسها والتعريف بها، خصوصا باللغة العربية، وبالأخص في سوريا». ويرى الكاتب اللبناني، أنه وفي محاولة لاستدراك بعض الغياب، يأتي كتاب بدرخان على هذا الذي تتنوع فيه المواضيع التي تندرج تحت العنوان الكردي، كما تتنوع أشكال المعالجة والتناول، إلا أنها تبقى محكومة بالهدف نفسه. وربما جاز القول إن تشعب المشكلة الكردية عكس ذاته تشعبا في الكتاب الذي بين أيدينا، بحيث يمكن وصفه بأنه مرجع تعريفي وعام بمعظم مفاتيح تلك المشكلة، من دون أن يحول ذلك دون الرأي الصريح والواضح، والقاطع أحيانا. وهنا لن يفوت القارىء اهتمام المؤلف بالتوفيق بين ما يراه مصلحة للأكراد لا مساومة عليها، وما يراه مصالح للشعوب التي يعيش الأكراد بينها وفي جوارها. وهذا جميعا من ضمن أفق تحكمه القيم المعاصرة للديموقراطية والتعدد والتسامح. ويختتم القول «إننا نعيش اليوم، خصوصا مع التحولات التي أطلقتها وتطلقها الثورة السورية، يقظة للقضايا التي بقيت طويلا دون نقاش، بل دون اعتراف. فالمكبوت يعود عودة قوية على الأصعدة جميعا. والحال أن الأكراد السوريين كانوا سباقين، ومنذ انتفاضة القامشلي في 2004، في استحضار المكبوت. وهذه الوجهة التي لن تتوقف بعد اليوم، والتي لن تستقر إلا وقد رسم وجه جديد للمنطقة يؤمل أن يكون أفضل وأعدل، إنما تستدعي الكثير من إعمال الفكر وإطلاق المبادرات بأقل ما يمكن من القيود والضوابط. وفي هذا الطموح، المشروع والمطلوب، تندرج الصفحات التي بين أيدينا والهم الذي يقيم خلفها».
مشاركة :