الحجر يروي أعجوبة البتراء

  • 12/9/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: مها عادل حين يخرج الحجر عن صمته وينطق بأسمى معاني الفن والعراقة ليروي لنا أسرار الحضارة وخبايا التاريخ التي تحملها أطلال مدينة عريقة تحدت عوامل الزمن لتبقى شامخة وخازنة لتراث شعبها وحضارته، لن يجد أفضل من متحف الشارقة للآثار، ليعرض حكاياته. 55 قطعة أثرية نادرة من حفائر مدينة البتراء الأردنية تجتمع في معرض البتراء أعجوبة الصحراء لتحكي للزوار تاريخاً منيراً من الحضارة النبطية. مجموعة نادرة من المقتنيات والمنحوتات الأثرية والمصنوعات والأعمال الحرفية التي تم اكتشافها في المملكة الأردنية الهاشمية، تستعرض الإرث التاريخي والفني الذي كانت تزخر به مملكة الأنباط العربية وعاصمتها مدينة البتراء المحفورة في الصخور، التي يطلق عليها اسم المدينة الوردية. يقام المعرض الذي تستمر فعالياته حتى 16 مارس آذار المقبل، بالتعاون بين إدارة متاحف الشارقة ودائرة الآثار العامة في الأردن، وهو الحدث الأول من نوعه على مستوى منطقة الخليج، الذي يكشف لزواره عن طبيعة العلاقات التي جمعت البتراء، باعتبارها أحد أهم المراكز الاقتصادية، مع بقية أرجاء المنطقة العربية، إضافة إلى إطلاعهم على جوانب التشابه في التاريخ والثقافة بين مملكة الأنباط ومنطقة مليحة التي تعد من أهم المواقع الأثرية في إمارة الشارقة، والتي بينت التنقيبات فيها قوة الصلات والروابط التجارية والثقافية التي جمعت مليحة والبتراء وبقية حواضر التجارة العربية. خالد حسين صالح، منسق عام البحوث بمتحف الشارقة للآثار، يقول: في متحفنا هناك سياسة واضحة لاستضافة المعارض، إذ يجب أن تكون ذات أهمية علمية وعلاقة بمعروضات المتحف وأن تكون مرتبطة بموقع أو أكثر في الشارقة واخترنا معرض (البتراء) لما لمسناه من جوانب شبه كثيرة بينها وبين منطقة حفر مليحة الأثرية بالشارقة، فهما تعاصران نفس الفترة الزمنية، وكلا الموقعين يرتبطان بقبائل عربية، تحولت إلى مركز تجاري، كما اكتشفت دلائل في مليحة تدل على استقرار مجتمعي جعلها محطة مهمة في تلك الفترة. من أبرز دلائل وجود حضارة مزدهرة بمنطقة مليحة هو سك العملة ووجود شاهد قبر لكاهن ملك عمان، ففي تلك الفترة سيطر العرب على تجارة التوابل والبخور واللبان وكانت تنتقل عبر الجمال من جنوب الجزيرة العربية إلى بلاد اليونان والرومان وإلى مصر وغيرها، وكانت البتراء تحتل بوابة الجزيرة العربية الشمالية حيث تتجمع البضائع من الجنوب ويعاد تصديرها عبر ميناء غزة، لذا يأتي المعرض للتأكيد على أن البتراء كانت لها صلات واضحة مع الجزيرة العربية ومليحة على وجه التحديد، بحسب ما يوضحه صالح. يضيف: يضم المعرض أبرز 55 قطعة من أصل 150 اخترنا منها تماثيل ومجسمات لبعض المعبودات التي قدسها الأنباط في تلك الفترة، ويتضح بها الناتج الفني الخاص بحضارة الأنباط، الذي نشأ من مزج الفنون اليونانية والرومانية مع الفنون المحلية الخاصة بالمنطقة، وهذا يدل على أنه كان مجتمعاً معقد التركيب ولديه حرفيين مهرة وفنانين مميزين. وبلغ سكان البتراء نحو 30 ألف نسمة ومساحتها عدة كيلومترات، لكنها تعرضت لعدة زلازل مدمرة قضت على معظم منازلها، إلا أن فرق التنقيب اكتشفت بعض الفيلات والبيوت الفخمة الخاصة بالأغنياء ووجهاء المدينة، بحسب صالح، الذي يشير إلى وجود فريق سويسري ينقب في المنطقة منذ ثمانينات القرن الماضي، واكتشف العديد من القطع والمنازل والمدافن القريبة من البيوت وبقايا قرابين. ويؤكد صالح أن الشارقة هي المدينة العربية الأولى التي تستضيف هذا المعرض، فالبتراء أدرجت على قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة، ويعتبر المعرض فرصة ذهبية للتعرف إلى جوانب مهمة من الحضارة العربية القديمة. سامية خوري، مديرة المتاحف والتوعية الأثرية بالأردن، تتحدث عن معيار اختيار القطع المشاركة في المعرض، وتقول: اخترنا القطع التي تعبر عن عظمة الحضارة النبطية وهي قطع نادرة. وهناك قطع حجرية مهمة من مبانٍ معمارية مثل قصر (البنت) وهو قصر في البتراء يقال إنه شيد خصيصا لابنة فرعون التي تزوجها الحارث الثالث ملك الأنباط، إلى جانب بعض التماثيل التي وجدت في القصر والتي تعبر عن امتزاج الحضارة النبطية والحضارات الرومانية والإغريقية، وتوجد تأثيرات واضحة ترتبط بالميثولوجيا اليونانية، فضلاً عن قطع فخارية تمتاز برقة نقوشها المميزة. وعن علاقة البتراء بمليحة، توضح قائلة: هناك تشابه في شكل المباني والزخارف التي تزين المباني في البتراء ومليحة، وهذا يرجع إلى أنهما ينتميان إلى نفس الحقبة الزمنية، فضلاً عن احتمالات تبادل تجاري وثقافي بين الثقافات. وتضيف خوري: كل القطع الموجودة في المعرض لها قيمتها وخصوصيتها وكلها ثمينة ولها أهمية تاريخية كبيرة، فهناك قطع خزفية بحالة جيدة جداً كانت تصنع بشكل يومي وتستخدم مرة واحدة فقط ثم تكسر ويعاد تصنيع أدوات خزفية جديدة وكانت لها مصانع خاصة، بالإضافة إلى ما يمكن صناعته في كل بيت. فكما كان الناس في البيوت يعدون الطعام يومياً كانوا يصنعون أواني الطعام الفخارية الرقيقة الهشة يوماً بيوم ولا تُستخدم إلا مرة واحدة فقط ثم تكسر. وكان هذا الفخار النبطي مميزاً جداً في شكله ولونه وخامته. تقدم مملكة الأنباط المعماري والهندسي بدا واضحاً من خلال المواسير المعدنية والفخارية لرفع المياه، وبقاياها التي يعرضها المعرض شاهدة على ذلك، فالبتراء كانت مدينة وسط الجبال يتم الدخول لها عبر ممر ضيق وكان الأنباط يبنون السدود خارجها ويجلبون المياه إلى داخل المدينة عبر ممر جبلي وقنوات للمياه، بحسب خوري. وتوضح خوري، أن آثار المدينة تضم مبنى الخزنة وهي مقبرة ضخمة ارتفاعها يصل إلى 43 متراً، فضلاً عن مجموعة من الكنائس والمسارح والقبور المحفورة بالجبال. أما عن تأثر البتراء بالميثولوجيا اليونانية، فتقول: من المعروضات المميزة بالمعرض تمثال حجري لكيوبيد، كما توجد زخارف حجرية تحمل صورة أفيال رغم عدم وجودها في تلك المنطقة، وهو ما يبدو مستوحى من ثقافة الهند التي كانت ترتبط بالبتراء عبر طرق التجارة القديمة.

مشاركة :