قافلة التعاون مع الصين هل تتجاوز الألغام الإسرائيلية ؟

  • 12/10/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

للصين سمات مشتركة مع العالم العربي، فإلى كونها دولة ذات حضارة شرقية قديمة، وعانت من الاستعمار مثلنا، فهي ساندت الحقوق العربية في الصراع الطويل ضد إسرائيل، حتى حلت تغييرات كثيرة، من أبرزها تفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وانطلاق مؤتمر مدريد وتجميد سلاح المقاطعة الاقتصادية، فتم تدشين علاقات ديبلوماسية صينية- إسرائيلية ترغب إسرائيل في توطيدها وتعزيزها من خلال التعاون الاقتصادي، وهو ما يستلزم رصداً ورداً عربياً نمتلك أدواته بالفعل. مع مطلع العام الجاري قام الرئيس الصيني بزيارة تاريخية للشرق الأوسط شملت السعودية، ومصر، وإيران، اتفق فيها على خطة تعاون اقتصادي خمسية. ومع نهاية العام تم ربط اليوان الصيني بالريال السعودي، وبالجنيه المصري، وأبرمت مصر أول اتفاقية مبادلة نهائية بالعملة الصينية بقيمة 2,7 بليون دولار، ما يتيح شراء ثلث صادرات مصر بالجنيه المصري، وهو الأمر الذي من شأنه تخفيف الضغط على الدولار. وربطت إسرائيل هذا التطور بزيارة سابقة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الصين عام 2014، تلتها زيارة أخرى في عام 2015. ووفقاً لمراقبين إسرائيليين، فإن الجميع يستعد لمرحلة تخفيف التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، فضلاً عن أن لبكين مخاوف من تفشي أفكار «داعش» واستلهام انفصاليين في الصين لهذا النموذج الإرهابي. وربط تقرير معهد الأمن القومي الإسرائيلي التقارب الصيني المصري برغبة بكين في دعم العلاقات مع الدول الأفريقية، ورغبة القاهرة في الخروج من عباءة التحالف الوحيد مع أميركا. ويمكن أن يساعد الاستثمار بإجمالي يتجاوز 15 بليون دولار ومنح في حدود بليوني دولار، في مجالات التنقيب عن المعادن وصناعة السيارات والصناعات الصغيرة، والسياحة والزراعة في جني أرباح للطرفين. وقد أدركت تل أبيب أن التقارب الاقتصادي الصيني العربي سيواكبه مزيد من التأييد السياسي للعرب في مواجهة إسرائيل، وهو ما دفعها إلى تحرك مكثف تمثلت ثماره في انتعاش السياحة الصينية في إسرائيل مع التركيز على العلاقات التجارية. وتبين أن عدد السائحين الصينيين الذين زاروا إسرائيل هذا العام بلغ 60 ألف صيني (مقابل نحو 40 ألفاً العام الماضي) وأن نصف هذا العدد كان غرضه من الزيارة تجارياً وكان حجم إنفاقه أكبر من متوسط إنفاق السائح العادي. مع ملاحظة أن عدد السائحين الصينيين لمصر في الفترة ذاتها يتجاوز ثلاثة أضعاف هذا العدد. لا يوجد لدى إسرائيل الكثير لكي تقدمه، وكل ما تطمح إليه لكي تجتذب استثمارات صينية، محاولة زيادة عدد المترجمين والترويج للذكاء اليهودي المستمد من ذكاء آينشتاين، متجاهلين حقيقة أن غالبية اليهود لم يهاجروا إلى إسرائيل، وأن النماذج المبهرة ليست بالمقدار ذاته حالياً، ما اضطر من يروج للذكاء اليهودي إلى الرجوع لهذا المثال القديم الذي هو في الواقع نتاج ثقافة لا علاقة لإسرائيل بها، حيث لم تكن هناك دولة صهيونية في ذلك التوقيت لكي توفر، أو حتى تؤثر في نبوغه أو تفوقه. الأمر يتعلق بمعرفة الأرقام التي يتشاءم ويتفاءل بها الصيني، وأسلوب معاملته من اهتماماته، سواء في الفندق أو خلال المقابلات الرسمية. لقد عاشت إسرائيل حتى قبل إعلان قيامها في ظل حماية قوى عظمى. بحثت عن الدعم والرعاية لدى إيطاليا، ثم لدى الخلافة العثمانية، وحاولت التفاوض في هذا الصدد مع مصر وفشلت، حتى نجحت مساعيها مع بريطانيا والولايات المتحدة، فحصلت على وعد بلفور ودعم أميركي كامل. ويبدو أنها تتطلع حالياً لرعاية اقتصادية صينية، تفتح لها استثمارات في أسواق واعدة مثل أفريقيا، وربما إيران أيضاً التي ثبت أن وزارة الدفاع الإسرائيلية كانت تعلم بمساهمتها في الشركة الألمانية التي اشترت منها غواصات في صفقة يحيط بها كثير من الجدل وصل إلى حد بدء تحقيقات رسمية في تورط معاونين لنتانياهو في الحصول على عمولات. وفي مقابل 61 عاماً من العلاقات الديبلوماسية مع الدول العربية سيشهد عام 2017 الذكرى الـ25 لإقامة علاقات ديبلوماسية بين الصين وإسرائيل، ورغبة تل أبيب في استغلال التقارب الاقتصادي على مستوى الشركات الخاصة لجعله تقارباً سياسياً وتعاوناً دولياً باتت مكشوفة، ولا يجب أن نظل نراقبها في صمت كما نراقب فيلماً دورنا فيه هو فقط دور المشاهد. العالم من المكسيك حتى الصين يتابع عن كثب مواقف ترامب تجاه الصين، بداية من المكالمة الهاتفية مع رئيسة تايوان. فكيف سيكون تأثير ترامب على الاستثمارات الصينية في المنطقة؟ وهل تنسحب أميركا من الشرق الأوسط بينما تتسلل إليه الصين اقتصادياً؟ ترامب احتج في تغريدة له على قرار بكين تخفيض عملتها، ما يصعِّب التصدير إليها. وبعد عودة ماكاو وهونغ كونغ ربما يندلع صدام حول استقلال تايوان أو الجزر المتنازع عليها مع اليابان، وستكون مواقف الدول العربية مؤثرة في معركة ديبلوماسية أو اقتصادية مستقبلية. وفي هذا السياق، يجدر بنا التنويه إلى أن من العوائق التي تقف حجر عثرة في تطور العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين مخاوف إسرائيلية معلَنة بشأن تجسس صناعي صيني أو انتهاك لحقوق الملكية. وأبرمت مصر (ثلث سكان العالم العربي) ذات المشروعات الاقتصادية العملاقة في وقت قصير (تنمية الساحل الشمالي الغربي، قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، شبكة طرق، ومحطات كهرباء) مع الصين سلسلة اتفاقات مالية، ما يفتح مجالاً لتعاون أكبر وبلورة أسرع لصيغة تعاون شامل مع مجموعة البريكس، ما يعني قدرة عربية على توجيه التداخل السياسي والاقتصادي الصيني المتنامي في المنطقة إلى مساره المأمول على الصعيد الاقتصادي، ولكبح الاحتلال الإسرائيلي وتوسعه الاستيطاني.     * أكاديمي مصري

مشاركة :