عقود من السنوات وقضايانا لا تتغيّر، قضايا مجتمع تخصه ولا تخص غيره، نراها قضايا معقدة يصعب تجاوزها، وتراها مجتمعات أخرى مسلّمات وطبيعة بشرية، من بينها مجتمعات خليجية مجاورة، تشبهنا كثيراً في التراث والتاريخ والعادات والتقاليد، لكنها استطاعت تجاوز ما نسميه قضايا تؤرّقنا، حتى أصبحنا أضحوكة العالم بعدما فضحتنا مواقع التواصل الاجتماعي، ونشرت غسيلنا أمام خلق الله! من هذه القضايا عمل المرأة في مكان مختلط، قيادتها للسيارة، ممارستها الرياضة، سفرها للعلم أو لغير ذلك، بمعنى أو بآخر مشكلتنا الأولى والأخيرة هي المرأة، لا نعرف ماذا نفعل بها! وتعليق بعض هذه القضايا، وعدم الحسم فيها، أسهمت في تعطيل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بل ربما تعطّل منشآتنا في حالات الأزمات والحروب وغيرها، ولأن مقالي هذا لا يتسع لمناقشة جملة هذه القضايا، سأتحدث فقط عمّن يرى في عمل المرأة في القطاعات الصحية أمرًا مخلاً ومخزياً، حيث لا يمنع بناته من العمل في هذه القطاعات فحسب، وإنما يتهم من يسمحون لبناتهم بالعمل في المجال الطبي بعدم الغيرة، وينفي عنهم الرجولة، وكأنه يريد أن تكتفي مستشفياتنا بالطبيبات والممرضات والصيدلانيات الأجنبيات، ونبقى نحن تحت رحمة موظفي جنسية، أو جنسيات محددة، حتى نتورّط ذات يوم بسبب أزمة أو حرب أو خلاف دبلوماسي مع هذه الدولة أو تلك! فقبل أكثر من عقدين من السنوات، مررنا بظروف اقتصادية ضاغطة، وكان لا بد من البحث عن مصادر دخل جديدة للدولة، فكان من بين الحلول المقترحة فرض ضريبة دخل على الأجانب العاملين في البلاد، وما كادت الفكرة تدخل حيّز الأوساط الطبية، حتى أضربت عن العمل مجموعة كبيرة من الطبيبات والأطباء الأجانب في أحد المستشفيات الكبيرة بالرياض، فأصيب المستشفى بالشلل، وبات المرضى المنومون في خطر، حتى اضطررنا إلى التراجع عن هذا القرار، وألغي بسبب عجزنا، نعم بسبب عجزنا عن تشغيل مستشفياتنا بأنفسنا، برجالنا ونسائنا، وتعطيلنا دور المرأة التنموي، ومنعها من ممارسة دورها الاجتماعي والوطني، ولو حدث يوماً ما - لا سمح الله - وضع أمني مقلق، بسبب أزمة أو كارثة أو حرب، وقرَّر الأجانب مغادرة البلاد، فقد نتردى صحياً بسبب أوهامنا وتقاليدنا التي تعيق اكتفاءنا منذ نحو نصف قرن.
مشاركة :