قرر وزير العمل في حكومة بروكسل ديدير جوسين، إجراء اختبارات عملية للكشف عن التمييز العنصري في سوق العمل، ومواجهة هذا الأمر. ويتضمن الاختبار تقديم طلب باسم شخص بلجيكي وآخر باسم شخص من أصول أجنبية، للحصول على فرصة للعمل في عدد من الشركات والمصانع، وإذا ثبت أن بعض الشركات تقوم بالرفض التلقائي للطلبات التي تحمل أسماء أجنبية، سيتم اتخاذ إجراءات ملاحقتهم قضائيًا. ولكن وبحسب الإعلام البلجيكي، فإن وزير العمل في حكومة العاصمة بروكسل، غير متأكد من قانونية إجراء هذه الاختبارات، ولهذا قرر الاستعانة برأي مجلس الدولة، وهو أعلى هيئة قضائية استشارية في البلاد. وفي نفس الوقت فإنه بالتنسيق مع الفعاليات ذات الصلة بقطاع سوق التشغيل، هناك نية لاتخاذ خطوات مماثلة من جانب فيليب ميوترز وزير العمل في حكومة المنطقة الفلامانية من البلاد (وهي المنطقة القريبة من الحدود مع هولندا، وتضم ما يزيد عن نصف سكان البلاد). وقال برونو ديليل رئيس المجموعة البرلمانية للخضر في برلمان بروكسل، إنه سعيد جدا بهذا التحرك، ولأن الوزير جوسين بادر بالخطوة الأولى في هذا الاتجاه، مشيرا إلى أن «الدراسات تظهر أنه خلال السنوات الماضية هناك حضور للتمييز العنصري في سوق العمل البلجيكية بشكل واضح». وفي نهاية العام الماضي، تلقت بلجيكا انتقادات خارجية بسبب التقصير في إدماج المهاجرين في سوق العمل، وترتب على ذلك ازدياد خطر الفقر بين هؤلاء، بحسب ما جاء في تقرير صدر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، والتي أكدت أن نسبة توظيف العاملين من أصول مهاجرة غير أوروبية تقل بمقدار 10 في المائة، عن نسب توظيف المحليين، مشيرة إلى أن «المشكلة ليست ضعف المؤهلات لدى هذه الشريحة»، وفق التقرير. ويتحدث التقرير عن «تمييز واضح» تمارسه مكاتب العمل، بضغط من الشركات وأصحاب الأعمال، ضد الأشخاص من أصول مهاجرة غير أوروبية. كما يشير إلى وجود تعقيدات إدارية ومؤسساتية تعرقل دخول غير الأوروبيين إلى سوق العمل في بلجيكا، «والنتيجة هي ارتفاع معدلات الفقر والتهميش الاجتماعي في أوساطهم»، كما جاء في التقرير. ويوضح أن نسبة الفقر في أوساط المهاجرين غير الأوروبيين ترتفع بمقدار ثلاثة أضعاف عما هي لدى المحليين. ونبَّهت المنظمة إلى ضرورة الاهتمام بشكل خاص بعنصر الشباب من بين أبناء المهاجرين، وهو الأكثر تعرضًا للتهميش والتمييز حاليًا. وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، قالت البرلمانية البلجيكية السابقة، وهي من أصل مغربي، فوزية طلحاوي، إن الأزمة المالية التي عرفتها أوروبا لعبت دورا كبيرا في تفاقم العنصرية بشكل كبير، وظهرت المعاناة واضحة في سوق العمل، والسكن، والتعليم، ومجالات أخرى، ولا يقتصر الأمر على بلجيكا وحدها، فعلى سبيل المثال من الواضح ازدياد ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في أوروبا خلال السنوات الأخيرة. ويعيش في بلجيكا مليون مسلم لا بد على الساسة هنا أن يضعوا ذلك في الاعتبار؛ لأنهم أصبحوا جزءًا من المجتمع، ولا بد من حل مشكلاتهم ومنها العنصرية. ومن جهته قال البروفسور لوك جوسين، أستاذ في جامعة «أنتويرب» البلجيكية، في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»، إن الإعلام يلعب دورًا كبيرًا في نشر صورة سلبية حول فئات محددة، وهناك مسؤولية على السلطات هنا لمواجهة أي نوع من العنصرية ومعاداة الآخرين، وذلك بإدماج الأجانب بشكل أفضل، كما على المهاجر الأجنبي أن يحترم قيم المجتمع الذي يعيش فيه. وقبل أسابيع قليلة سجلت بلجيكا أسوأ الأرقام على الصعيد الأوروبي، فيما يتعلق بإدماج المهاجرين من الجيل الثاني، سواء في سوق العمل أو التعليم العالي. وأظهرت دراسة نشرها مكتب الإحصاء الأوروبي في بروكسل، أن الفجوة كبيرة بين البلجيكيين والمهاجرين من أبناء الجيل الثاني، أي الأشخاص الذين ولدوا في بلجيكا ولكن أحد الوالدين أو كليهما ولد في دولة أخرى خارج الاتحاد. وقالت الأرقام الأوروبية إن بلجيكا، سجلت أسوأ المعدلات، حيث يشكل المهاجرون من الجيل الثاني في المرحلة السنية ما بين 25 إلى 54 عاما نسبة 71.7 في المائة، بينما يصل الرقم بالنسبة للبلجيكيين من نفس المرحلة السنية إلى 84.4 في المائة، وبالتالي تشكل الفجوة نسبة 13.1 في المائة، وهي الأكبر على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأقرب الدول إليها هي كرواتيا التي سجلت 11.8 في المائة، وفي دول أخرى تصل النسبة إلى 6 في المائة.
مشاركة :