أمّا أنتم يا صحبيَ الجميلين، فلقد أتممتم عليَّ ما تيسّرَ من نِعَمِكُم، وأحببتموني طريحا ميتا لا صريخَ حوله. العربعلي السوداني [نُشرفي2016/12/10، العدد: 10481، ص(24)] سأكون الليلةَ صادقا معكم. سأعتذر وأمحو الجملةَ السخيفةَ البائدة. لقد بدتْ لي مثل اعتراف بخطيئةٍ لم تحدث أبدا. سأكتبُ قصة حقيقية وسيظنها النقاد المتحمسـون، سرحة أو شطـحة خيالٍ سقـطتْ من رأس درويشٍ سكـران. لا فرصةَ حتى الآن لعمل يسدُّ مسدَّ ستَّ مِعَدٍ، ونظرات بائسات مرشوشات على عشرة فقراء يقفون برجْل واحدةٍ فوق مصطبةٍ عزلاء. في كلِّ يومٍ ينفني ويزهق، تتلفُ من قلبي وصلةٌ صغيرة. الأوغاد السفلة يقتلونني، وصحبي الطيبون يسوّرونني بحروف مُملّة، تشبه تلك التي يطشّونها فوق مساء الميّت الأخير. لا أعرف كيف اهتديت إلى هذا الكنز العظيم. لقد وجدتُها كما لم يجدْها أحدٌ من قبل. سأغطسُ بغيبة صغرى قدرها أربعين ليلة، وأعود إليكم بعدها على هيئة ملِك، يشيلُ فوق يمينه جبلا من ذهب، وببطن شمالهِ تنامُ بيادر حنطة. سأفتتحُ الأمرَ المذهل بدورة كاملة على بيوت المدينة النائمة. سأخلع من كلِّ دار نصفَ حجر. في الليلة القادمة، سأعيد الغزوة وسأشلعُ من كلِّ بيت وزقاق وحديقة يابسةٍ شبرَ تراب. سأخيط تلك الأشبار الرائعة فتصير أرضا كبيرة. سأضع حجرا على حجر حتى ينولد قصرٌ لا شريكَ له. في الثالثة، سأزور مطابخ الفقراء النائمين. سأمشي على رؤوس أصابعي وسأُنصتُ خاشعا مترنّما، إلى صوت ناقوط الحنفيات الكثيرة. سأفرش عبّي على مصاريعه، وأقوم بجمع القطيرات الملظومات على سلّم البطء قطرةً تمطر قطرةً، وأعود بنهر مياه إلى بيتي الشاسع. سأحرثُ سرَّ الأرض وحدي، وسأزرع العنب وحدي. سأعبىء السلال وأفتح باب المعصرة، وأُنتجُ نبيذاً أحمرَ إنْ شمّتْهُ الحِسان، دِخنَ وغنّينَ وقُلْنَ أدركنا أيها البهيّ العزيز حتى نراك. سأنزعُ من كلّ قميصٍ عتيقٍ خيطا واحدا، وسأنسجُ الحصاد على منوال الصبر الجميل. سأسهرُ سبعة أيام متصلات، أشدُّ الخيط بالخيط والسرّةَ بالسرةِ، فتصير النهايات المبهجات قمصانا وخياما وسراويل تشبه مليون عيد. ستنمو حنطتي وحيواناتي وفاكهتي، وستلدُ الطيرُ طيورا والسمك سمَكا والتمرُ تمرا وخمرا، والبقر لحما وحليبا جاريا مثل نهر وصَدَقة. سيكون في زبدي وعسلي وذهبي وزرعي ومائي ودنانيري، حقٌّ للسائل والمقهور ومَن ولدتْهُ الأيامُ السود، فوق وسادة متروكةٍ عند مزبلة كبرى، ولم يجدْ صائحا يصيحُ بزوجهِ أنْ احمليه ولنتّخذَهُ ولدا أو عكّازا. أمّا أنتم يا صحبيَ الجميلين، فلقد أتممتم عليَّ ما تيسّرَ من نِعَمِكُم، وأحببتموني طريحا ميتا لا صريخَ حوله. علي السوداني :: مقالات أخرى لـ علي السوداني يحبونك فلا تخذلهم , 2016/12/10 من سيرة السيجارة الأولى, 2016/12/03 جريدة ورقية بمقهى حسن عجمي, 2016/11/26 ليلة واحدة على كرسي الرئيس, 2016/11/19 يوم مبهج أمام شاشة ترامب وميلانيا , 2016/11/12 أرشيف الكاتب
مشاركة :