بعد أن هدأت الحملات الانتخابية، وفاز من فاز، بدأت التحليلات لنتائج الانتخاب تتأثر بالعوامل غير المتوقعة التي ساهمت في بلورة الصورة النهائية لهذه النتائج. فلقد كانت النتائج صادمة وغير محسوبة لدى الكثيرين، خصوصا المخضرمين من النواب الذين راهنوا على نجاحهم في الانتخاب لكنهم خسروا أمام نجاح من لم يكن متوقعاً، خصوصاً فئة الشباب الذين شكلوا حركة وتضامناً لم تكن في السابق لها وجود على أرض الحملات الانتخابية، ولم تكن بحجم الزخم والاندفاع نحو التضامن من أجل النجاح كما حدث في هذه المرة. إن انخراط الشباب في الانتخابات، وتضامنهم في كسب النجاح أدى إلى نجاح 15 نائباً شاباً يشكلون نسبة مرتفعة في أول مشاركة برلمانية ستكون لها تأثير بالغ على دور البرلمان في المرحلة المقبلة. فرغم أن هذه الفئة الشبابية من النواب لم تمارس نشاطات سياسية أو تجربة برلمانية سابقة إلا أنها ستمثل قوة سياسية مهمة نتيجة قدرتها على رص صفوفها، وتعاونها، وبما تمتلك من رأي مستنير، وحماس للتغيير. هذه وغيرها هي عوامل مؤثرة في كسر روتين العمل النيابي، وتغيير احتكار المقاعد الانتخابية بيد بعض الذين تسيدوا العمل البرلماني ردحاً من الزمان لم يجلبوا سوى المزيد من التعاسة والتخلف. وإذا كان الشباب عانى من التهميش وتجاهل الدولة لمشاكلهم، فهم اليوم يبعثون برسالة إلى الحكومة مفادها بأنهم لن يكونوا على أطراف الطريق، ولن يقبلوا بالاستمرار في تجاهل حقوقهم المشروعة في السكن والرعاية الصحية والتعليم وفرص العمل، والترقي وغيرها. ولقد عبروا عن الخلل في شؤون الدولة بغضبهم من حالة الجمود والإحباط الذي أصابهم سنوات طويلة في الوقت الذي يشكلون ثلثي عدد المواطنين غالبيتهم تنتقد الأوضاع منذ أمد بعيد، وترى أن حقوقها مهضومة أمام النخبة الأقلية من السكان، والتي تسيطر على مفاصل الدولة، ولا يستطيع أحد محاسبتها على فسادها وكسرها للقوانين واحتكارها للثروة. إن استقراء النتائج الانتخابية ينبغي أن يكون هدفاً استراتيجياً للمستقبل، خصوصاً وأن الشباب بدأ المعركة ليس فقط في مجال مكافحة الفساد، ومحاربة التخلف، وإنما سيكون له دور فاعل في القضايا الشائكة للتنمية، ومستقبل الدولة، خصوصاً العمل على حماية ثرواته، ومكتسباته في إطار الدستور ومفهوم الدولة، وليس باتباع أساليب الطائفية والقبلية وحكم العشيرة، أو التسلط أو باستخدام النفوذ والتطاول على القانون. لذلك، لا نستبعد تنامي قوة القيادة الشبابية، وتشكيلها لجبهة وطنية في البرلمان تضع برنامجاً لمكافحة الفساد، وتتصدى لقوى التخلف، منطلقة من حيويتها واخلاصها في خدمة الوطن وليست تكتلاً طائفياً أو سياسياً تريد ترسيخ ولاءاتها التي تتعارض مع الولاء للوطن. yaqub44@hotmail.com
مشاركة :