ما يميز الكويت خلال هذه الفترة، تلك المجهودات الشابة الفردية أو الجماعية، التي يراد من ورائها العودة بالكويت إلى الصدارة في ما يخص الاحتفاء بالثقافة والإبداع والفكر على أعلى مستوياته. والأمثلة كثيرة ومفرحة... تلك التي أتابعها من خلال الأخبار الصحافية ومواقع التواصل الاجتماعي، وأراها مثمرة وبناءة، وذات مردود مستقبلي مهم، سينعكس إيجابيات على مستقبل الثقافة في الكويت، وخوفا من السهو والنسيان لن أذكر الأسماء النابهة التي وراء مثل هذه التحركات الحثيثة، فهي معروفة لدى الجميع وذكري لها لن يضيف للواقع جديدا، إلا أنني أرى أن هذه التحركات- التي في معظمها أو أغلبها شبابية- لها رؤى وأهداف محددة، لعل من أبرزها وأهمها الاستمرارية، وعدم الخضوع للظروف المحيطة، وبالتالي التحدي والصمود والعمل في سياق متواز تماما مع التطلعات والأمنيات، التي نريدها للثقافة المحلية. هذه المجهودات نراها من خلال دور نشر محلية، تأسست حديثا، وتعمل من خلال آليات شبابية متقنة، وتسير وفق نظم حديثة يُراعى فيها ظروف الطامحين إلى نشر كتبهم، وعدم تكبدهم مصاريف مبالغ فيها، كما يحدث في دور النشر الأخرى، التي تستغل الظروف وتنشر الكتب بطريقة لا تمت بصلة للإبداع، فهؤلاء القائمون على دور النشر تراهم يتعاونون مع الكتاب الشباب بما يخدم الساحة الثقافية ويثريها، ومن اللافت أن هذه الدور الشبابية رغم حداثة عهدها بالنشر إلا انها حصدت نجاحات متميزة، بل إن بعضها وصل إلى مستويات خليجية وعربية، وهذه النجاحات لها عائد إيجابي للحركة الثقافية في الكويت. كما أن المنتديات والأنشطة الثقافية التي تصاحب تلك الدور... تؤدي وظائف مهمة في التعريف بالكتاب الصادر وصاحبه، بالإضافة إلى الأنشطة التي يتمك فيها استضافة أدباء وكتاب من داخل وخارج الكويت للحديث عن مختلف القضايا المتعلقة بالفكر والثقافة والفن، وأعتقد أن هذه المجهودات- التي لا تقف وراءها مؤسسات رسمية أو غير رسمية كبيرة- تستحق الإشادة والتقدير. وفي المقابل نجد أن المنتديات والصالونات قد انتعشت في الكويت، بمجهودات شخصية، وهي أيضا تؤدي أدوارا مهمة في المجتمع، وتلاقي النجاح المطلوب، من خلال ثراء المواضيع المطروحة، والنقاشات المثمرة التي تحدث فيها، وهذه التحركات الشخصية، أراها من النقاط المضيئة في جبين الثقافة الكويتية الراهنة، وهي مستمرة من دون توقف منذ سنوات، ولها جمهورها المثقف الذي يتابعها، ما جعلها كيانا لا يمكن الاستغناء عنه في جسد الثقافة الكويتية. هكذا أردت أن أشير إلى الإيجابيات التي تتمتع بها الثقافة الكويتية الراهنة، وهي إيجابيات ملموسة وواضحة، ويمكن متابعتها بسهولة عبر كافة أوعية النشر الورقية والإلكترونية، مما يعطينا انطباعا مبشرا بالخير، وفي الوقت نفسه ملهما للمزيد من السعي من أجل ثقافة كويتية متقدم، وذات طابع إنساني كبير. وفي ما نجد هذه التحركات الأخيرة من قبل أصحاب دور النشر الحديثة، وأصحاب الصالونات والملتقيات الثقافية، نجد المؤسسات الرسمية لا تسعى أو حتى تفكر في مساعدة ودعم هذه التحركات، كي لا يصاب أصحابها بالإحباط، وكي لا تضربها عوامل الزمن وتؤدي بها إلى التوقف، فمتى تنتبه المؤسسات الرسمية المعنية بالثقافي لمثل هذه التحركات المضيئة في حساباتها، وإدراجها في حيز اهتماماتها... من دون التدخل في آليات عملها الناجحة، وأهدافها المستقبلية المضمونة. * كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت alsowaifan@yahoo.com
مشاركة :