أصبح جون غلين بطلاً قومياً كونه أول أميركي يسافر إلى مدار الأرض، وبعد وفاته عن عمر يناهر الـ95 عاماً يوم الخميس، نذكّركم بالمسار الذي سلكته البرامج الفضائية الأميركية في العقود الأخيرة والأخطار التي واجهتها. وأهم الرحلات في هذه الذكرى هي برنامج "مركوري" الذي جازف فيه الرواد الأميركيون السبعة الأوائل بحياتهم، لاستكشاف حدود الفضاء في مطلع الستينات. وقد قضى بعضهم في إطار هذا السعي. ويقول جون لوغدسون، الخبير في السياسات الفضائية: "قبل إرسال أشخاص إلى الفضاء فعلياً، لم يكن الأطباء على ثقة بإمكان صمودهم هناك. إذ إنه كان مجالاً غير مستكشف بالكامل". وكان الكائن الأول الذي عاد إلى الأرض في إطار برنامج فضائي أميركي، شمبانزي يدعى هام أرسل في صاروخ "مركوري 7" الجديد في العام 1961. واطمان الرواد الأميركيون المرشحون للسفر إلى الفضاء أيضاً لنجاح الروس بإرسال يوري غاغارين إلى الفضاء وعودته سالماً. إلا أن بعض المخاوف استمر، إذ إن الصواريخ التي صممتها الناسا كانت تنفجر الواحد تلو الآخر أو تنهار في كتلة من النيران بعد إقلاعها. ويروي الصحافي السابق والتر كرونكايت في كتاب صدر العام 1997 بعنوان "إيه ريبورتيرز لايف": "الكثير منا كانوا يشككون ويساورهم قلق كبير من أن ناسا سترسل طيار التجارب آلن شيبارد في أول رحلة فضائية". وأضاف: "عاد آلن شيبارد سالماً من رحلته الأولى إلى الفضاء، إلا أن زملاءه كافة لم يكتب لهم المصير ذاته". ففي العام 1967، أشعلت شرارة المركبة "أبولو 1" خلال تجربة على الأرض. وقتل أفراد طاقمها الثلاثة احتراقاً في داخلها. ومن بين الضحايا، غاس غريسوم، أحد رواد الفضاء السبعة الأوائل، الذي كان أول إنسان يسافر مرتين إلى الفضاء. وكان الرواد الأوائل جميعهم من طياري التجارب العسكريين، وتناول كتاب لتوم وولف (1970) بعنوان "ذي رايت ستاف" وفيلم يحمل العنوان نفسه (1983)، صلابتهم النفسية. ويؤكد لوغسدون أن "طياري التجارب يدفعون مركباتهم إلى أقصى حدود قدرتها. وكانوا معتادين على المجازفة حتى قبل مشاركتهم في البرنامج الفضائي". ولم يكن ذلك السبب الوحيد وراء اختيارهم، إذ كان ينبغي أن يكونوا قصيري القامة، فمن المستحيل إدخال شخص يزيد طوله عن 1.80 متر في مركبات الفضاء الصغيرة في تلك الفترة. وكان طول مركبة "مركوري" التي نقلت جون غلين إلى الفضاء مترين فقط وكذلك عرضها. ويؤكد لوغسدون: "عندما نرى مركبة مركوري اليوم يصعب التصديق أن أحداً قبل الدخول إليها والجلوس على محرك يصدر طاقة موازية لطاقة قنبلة نووية ليرسل إلى بيئة غريبة". وطرح على جون غلين مراراً سؤالاً عن الشعور الذي انتابه قبل الطيران: "كان ينتابني الشعور نفسه مثل أي شخص آخر مستعد للطيران مع أنه يدرك أنه جالس على مليوني قطعة بنتها شركات مختلفة فازت باستدراج عروض للحكومة بأدنى الأسعار". وانطلقت رحلة جون غرين في ظروف جيدة، إلا أن خلال تنفيذه الدورة الثالثة حول الأرض انطلق إنذار أشار إلى وجود خلل. وأثار الخلل مخاوف من أن الدرع الحرارية للمركبة "مركوري" التي تحول دون احتراقها لدى عودتها الى الغلاف الجوي، لن تعمل على ما يرام. وروى تشارلز موراي الذي شارك في كتابة "أبولو: ذي رايس تو ذي مون" في العام 1989، أن المهندسين على الأرض "كانوا على ثقة على مدى أكثر من ساعة من أن غلين سيموت". لكن تبين بعد ذلك أن الإنذار انطلق خطأ وتمكن جون غلين من الهبوط من دون مشاكل.
مشاركة :