في مجال الثقافة والمعرفة أعترف أن المؤشر اخضر ودوماً في ارتفاع ، لكن بكل أسف وحسرة يقابل ذلك هبوط حاد عند القلة ممن لاحول لها ولا طول في التطوير والسمو بذاتها عن مواطن العفن الفكري ، والنظر إلى الامور والاحداث بعقلانية بعيدا عن الاحقاد أو التصفيات الشخصية أو العبثية ، وسأقدم هنا نموذجين للسمو والرقي والوفاء والابداع ، حيث سأتطرق لوجهين وطنيين مشرقين أشرقا من الساحل الشرقي ، من خلال مواقف واحداث يقف لها العقلاء تقديراً واحتراماً ، وهذا دليل على أن الشرقية إحدى فرائد منظومة عقد هذا الكيان الشامخ أيضا ولادة بالمميزين ، ودائماً تدفع لساحة الوطن كتائب من المبدعين من الجنسين ، وجميع المجالات والتخصصات خصوصاً النادرة والابداعية تؤكد ذلك على مدى العصور ، والمجال لايتسع للذكر والشكر والاشادة ، ولكن رأيت اليوم أن أقتصر في حديثي هنا عن شخصيتين مميزتين احدثتا حراكاً معرفياً ومجتمعياً وطنياً في الأونة الأخيرة اثارا مع إعجاب الغالبية من ابناء الوطن الاوفياء. استهل الحديث عن الشاعر المبدع شاعر شباب عكاظ وأمير الشُعراء 2015م وهو في مقتبل العمر ابن الأحساء / عبدالله الحيدر الذي بزغ نجمه في الآونة الأخيرة ، وتحصل كما اشرت على العديد من الجوائز والالقاب ليس من خلال معجبين او جمهور بل من خلال مهرجانات ولجان متمكنة ومنافسات حامية شريفة على مستوى الوطن العربي وفي أكثر من محفل ، وتوج أخيرا ذلك الإبداع بقصيدته الرائعة ، في احتفالات المنطقة الشرقية بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز(مخطوطة القرى والظلال) والتي أخذت ايضا عنوانا شعبيا (سكنانا) والتي جاءت كرائعة تناسب المقال والمقام ، ولكن في زمن وسائل التواصل وتفشي ظواهر الثقافة السطحية والحوارات التافهة والظواهر الصوتية الصاخبة الممجوجة ، التي شكلت قروبات تتناول الاحداث دائما بالسخرية والتقزيم ، وكان الشاعر المبدع حيدر العبدالله من اولئك الذين تعرضوا لعاصفة هوجاء من مثل تلك الآراء الحادة المتطرفة في التفاهة والسخرية ، لمجرد اللهو غير المراقب والضمائر الميتة التي تشكلت على خليط من السخرية والجهل المركب في صور لاتقبلها الفطر السليمة ولا تتصالح مع الذوق العام، والذي شكل بالتالي نفوسا ضعيفة تتربض بالمبدعين والمميزين ، ولكن ما يجعلنا اكثر تفاؤلاً أن اولئك المرجفين قلة هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن هولاء المبدعين ما وصلوا إلى ما وصلوا اليه من ابداع حتى ولو في سن مبكرة الا وهم بإذن الله محصنون اولا بثقتهم بالله ثم بالحرص على التزود من مناهل المعرفة ، لذلك لازلت عند رأيي منذ الوهلة الاولى لسماع الشاعر / حيدر العبدالله أنه خليفة الراحل الشاعر والاديب الكبير / غازي القصيبي رحمه الله رحمة الابرار ، وأنه لو كان بيننا لأخذ بيده ليتقدم الصفوف ، لذلك نأمل أن لاتفتك او تقلل تلك الحملات الجاهلة على مسيرة الشاعر حيدر وأن تزيده كما اسلفت إصراراً وتألقاً . .. في 30 مايو 2015م غردت في حسابي بتويتر بإشادة مستحقة للكاتبة كوثر الاربش المواطنة الصادقة الوفية وأم الشهيد الذي راح ضحية الغدر الارهابي الذي استهدف المساجد والمصلين ، وصدمتها بوفاة إبنها ، رحمه الله ، لم تنسيها إيمانها بالله ووفائها لوطنها وحبها لمجتمعها ، فراحت تخاطب ابنها شهيدا فخورة به وبالوطن وانه عربون وفاء وولاء لهذا الكيان وأي عربون وتضحية اغلى من الروح يا أم الشهيد ، وتصدت لمن حاول أن يستغل الاحداث ، للشوشرة وتفتيت اللحمة الوطنية ، واشرت إلى مفارقة يومها بكل صدق وأمانة مع سيئة الذكر ” كوثر البشراوي” التي كانت في تلك الفترة تتفاخر وعلى الهواء مباشرة اكرمكم الله بتقبيل حذاء جنود بشار ، وقلت يومها شتان بين الطهر والعهر. الطهر ممثلا في المواطنة الوفية المحتسبة التي توحد ولا تفرق وتؤمن ولا تكفر (وخيركم خيركم لأهله) وبين العهر في المأجورة كوثر البشراوي التي كان همها تفتيت الشعوب العربية والمتاجرة بدمائها وامالها التي أكبر مبلغها وطموحاتها تقبيل حذاء جند بشار الذين قتلوا و شردوا الشعب السوري المغلوب على امره ، وحيث أن الاوطان المتماسكة في لحمتها لاترفض الاجساد الطاهرة ذات العقول النيرة والطموحات المشرقة ولا تلغي تواجدها او تهمل خبراتها ، فقد جاء الجواب سريعا ، حيث تم اختيار المواطنة : كوثر الاربش عضوا في مجلس الشورى ، لتكون في المكان الأكثر صلاحية للركض المعرفي وخوض التجارب النافعة ، نحو مستقبل اكثر نمواً واشراقاً ، وهي مسلحة بالوفاء والولاء وتقديم أغلى التضحيات قولاً وعملاً. لذلك تعودنا من هذا الكيان الشامخ بقيادته وشعبه تكريم المبدعين وتقدير منجزاتهم وتضحياتهم وجميل إبداعاتهم ، سيما لمن تخطب وده المناصب ، عطفاً على إنتاجه وتضحياته في مجال تخصصه ، لتكون دعماً لتحقيق المهام االجسام في كل ما من شأنه رفعة وطنه ، كذلك علينا أن لا نلتفت للأصوات النشاز التي عادة تسخر من عطاء الآخرين ، هذا وبالله التوفيق.
مشاركة :