«روسيا الستالينية»: وثيقة بصرية تدين موسكو

  • 3/26/2014
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

«لو ندرك أننا الترهيب، وأن الترهيب هو دولتنا التي لطالما ساندناها والتي نحبّها كثيراً، لو أننا نمحو كل هذا الضباب، لنحصل على رؤية واضحة، لو نعترف بأن ماضينا يشوبه الكثير من الأعمال المعيبة، لو نجرؤ على الشعور بالعار، لو نشعر بالذنب، ونتحمّل مسؤوليّة كل ما ارتكبته سلطتنا خلال الحقبة السوفياتيّة، عندها فقط، نستطيع أن نبني وطناً جديداً، نفتخر به جميعاً»... بهذه العبارات النقديّة المؤثّرة والعميقة، ينهي المؤرّخ الروسي وأحد ضحايا معسكرات الاعتقال في الحقبة الستالينيّة، ارسيني روجينسكي، الفيلم الوثائقي الفرنسي «روسيا الستالينيّة» (من إنتاج «إينا» و «آ ر تي») الذي عرضته قناة «العربيّة» قبل أيّام. هذا الشريط، يفصحُ اسمه عن محتواه الذي هو إدانة لماضي روسيا وحاضرها، إذ يبدأ بمشهد يثير الرهبة والخوف، عبر إسقاط الضوء على تمثال ستالين ليلاً، ثم إزالة الضوء عنه رويداً وتركه للظلام، مصحوباً بموسيقى تصويرية تفيد الغرض ذاته. من ثمّ يأتي مشهد إسقاط تمثال مؤسس الاستخبارات السوفياتيّة والشرطة العامّة في 22 آب (أغسطس) عام 1991، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي، فالحـــديث عـــن تـــأسيس جمعيّة «مموريال»، بمبادرة من المؤرّخين وبعض المتطوعين للكشف عن أسماء وصور ضحايا الحقبة الستالينية التي كانت مخفية خلف جدران الاستخبارات الروسيّة. أولئك الضحايا الذين كانوا يُسمّون في تلك الحقبة «أعداء الشعب»، أخذِت صورهم، قبل ساعات أو أيّام من إعدامهم. وأثناء تناول الشريط الوثائقي نشاطات هذه الجمعيّة، تعود الذاكرة إلى ممارسات ستالين بحقّ معارضيه، وكيف أن الناس كانوا يُزجّون في السجون ومعسكرات الاعتقال، لأسباب تافهة، وذلك عبر الاستماع الى شهادات بعض الناجين من معسكرات الاعتقال. كما يشير الفيلم إلى الضغوط التي تتعرّض لها «مموريال» ومكاتبها من سلطات نظام فلاديمير بوتين، بحيث يطرح الفيلم تساؤلاً عن عودة استبداد الدولة، كما كان في الحقبة السوفياتيّة؟ ويربط الفيلم وصول ضابط المخابرات السوفياتيّة (كي جي بي) فلاديمير بوتين الى رئاسة روسيا الاتحاديّة عام 2000، بعودة الستالينيّة، مشيراً إلى بعض مظاهر هذه العودة ومؤشّراتها، على الصعُد الإعلامي والثقافي والسياسي والأمني، إضافة إلى الاستشهاد بقول بوتين: «ما زال الجدل حول ستالين والستالينيّة قائماً. سأحسم الأمر في هذا الخصوص. علينا تجنّب أي حكم ساذج. لا أحد يمتلك حق انتقاد أولئك الذين مكّنونا من الانتصار في الحرب العالميّة». كما يظهر الفيلم ممارسات بوتين لتوطيد حكمه، في ما يشبه الطريقة الستالينيّة، مُشيراً إلى كيفيّة قمع التظاهرات الاحتجاجيّة والمعارضين لتولي بوتين الرئاسة عام 2012، متهمين إيّاه بتزوير نتائج الانتخابات. وفي هذا السياق، رأى المؤّرخ روجينــسكي أن بوتـــيـــن لا يــحــبّ ستالين. لكنـه يـريـد استـثماره لخـلق دولـة قويّة «كليّة الوجود، مناهضة للغرب». وتبدو أهميّة الفيلم في توقيت عرضه، في هذه الفترة التي يرى فيها كثر تمادياً روسيّاً واسع النطاق، داخليّاً وشرق أوسطيّاً ودوليّاً، سواء على صعيد انتهاك القانون الدولي والتدخّل في الشؤون الأوكرانيّة واحتلال شبه جزيرة القرم وضمّها الى روسيا، والوقوف إلى جانب النظام السوري على رغم المذابح المروّعة وتأمين التغطية السياسيّة الدوليّة له عبر مجلس الأمن... وعلى رغم ذلك كله، كان بإمكان الفيلم التركيز أكثر على ملفّ بوتين الشخصي، والدور الموكل إليه حين كان ضابطاً في المخابرات، وصولاً الى طرح فكرة أن روسيا البوتينيّة هــــي صـــــدى لروسيا الستالينيّة، لا إفـراد أكثر من نصف مدّة الفيلم للحديث عن جرائم الستالينيّة التي سبق وتناولتها عشرات الأفلام الوثائقيّة. كما غفل الفيلم عن الإشارة إلى رفض موسكو عام 2009 قرار مجلس الامن والتعاون الأوروبي إدانة النظامين الستاليني والفاشي على حدّ سواء، واصفةً إيّاه بـ «محاولة انتهاك التاريخ»، وأنه لا يجوز مقارنة الستالينيّة بالفاشيّة والنازيّة، «لأن المتضرر الأكبر من النظام الستاليني هو الشعب الروسي» و «أن ستالين لم يكن يرفض حق الشعوب في الوجود، كما أغرق هتلر اوروبا بالدماء». أياً يكن الامر، ينتهي الفيلم بمشهد مؤثّر عن ضحايا الحقبة الستالينيّة، أمام نصب تذكاري لهم، حاملين الشموع والورود البيض والحمر، مع إشارة المعلّق إلى غياب ممثل للدولة في إحياء ذكرى ضحايا معسكرات الاعتقال، مع إصرار السلطات على عدم الاعتذار من الضحايا والاعتراف بأن الجرائم التي ارتكبها ستالين، كانت جرائم دولة ضد مواطنيها. تلفزيون

مشاركة :