عندما يذكر اسمه أو تسمع سيرته فلا بد من الوقوف احترامًا لشخصه والتوقف التزامًا بتذكر إنجازاته.. الكتابة عنه أشبه برسالة دكتوراه تحتاج تدقيقًا وتحليلاً وتمحيصًا والوصف له أقرب باختصار معاجم علم ومجلدات فكر. هو مجموعة «إنسان» وتجمع «مسؤولين» وجماعة «مثقفين» وجمع «وزراء» في شخص واحد. «غازي القصيبي» -رحمه الله- الشاعر والأديب والسفير والوزير صاحب السيرة الفارعة في المسؤولية والمسيرة البارعة في الأدب والثقافة مالك «الرقم الأول» في قائمة الكبار ممن إذا مروا بالأماكن وكراسي المسؤولية زادوها «إنتاجًا» وأكملوها «رواجًا» لكل معطيات الإنجاز والامتياز والاعتزاز. بلسان ينطق أدبًا وينثر حبًا ويقطر عجبًا ويتبع سببًا ممتلئ بسكنات الفصاحة ووجه تملأه علامات السماحة بملامح خاصة لا تشبه إلا نفسه كما هو أدبه وعينان تشعان عشقًا وعبقًا للناس والقرار والاقتدار وكاريزما «أنيقة « تتعالى منها سحنات التواضع وتنخفض لها مسلمات المنصب دخل القصيبي القلوب وترجل وبقيت صورته معطرة «داخل برواز التنمية « وظلت روحه مسطرة وسط إطار الأدب والثقافة حاضرًا ناضرًا بإنتاجه شاهدًا مستشهدًا بنتاجه. بين ويلات «يتم» الأم التي غابت عنه منذ أن كان عمره 9 أشهر وتحت لواء «أب» صارم يعشق المنطق وجد حنون عاش القصيبي طفولته وشبابه حالما بالأدب عالمًا سبغ فكره بالائتلاف والاختلاف راسمًا له نهجًا ميسرًا عنوانه «شهية الأدب» وتفاصيله «ماهية الإدارة» ونهايته «مهنية القرار». بين واحات الأحساء ركض القصيبي طفلاً يلاحق عمقًا يسكنه ويطارد نطقًا سبق سنوات عمره الأولى انتقل للمنامة التي تربطه بها صلات «القربى» ووصلات «الحب القديم» درس فيها التعليم العام ثم نال ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة ولأنه مسكون بطابع الإنسان ترك دراسة القانون الدولي بسبب مرض أخيه نبيل ليبقى بجانبه ونال درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جنوب كاليفورنيا ثم دكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة لندن عمل أستاذًا مساعدًا في كلية العلوم الإدارية بجامعة الملك سعود وعمل مستشارًا قانونيًا في مكاتب استشارية وفي وزارة الدفاع والطيران ووزارة المالية ومعهد الإدارة العامة ونال منصب عميد كلية التجارة بجامعة الملك سعود 1971 ثم مدير المؤسسة العامة للسكك الحديدية 1973 ومن ثم وزير الصناعة والكهرباء 1976 فوزيرًا للصحة فسفير السعودية لدى البحرين 1984ثم سفير السعودية لدى بريطانيا عام 1992 فعاد وزير المياه والكهرباء عام 2003 - ومن ثم وزير العمل عام 2005 . سجل ناصع واقتدار نادر قام به القصيبي في كل المناصب، حيث كان له دور خالد في جمعية المعاقين وجمعية أصدقاء المرضى، وتعزيز عملية التبرع بالدم وبث ثقافتها ولمسات دينية في وزارة الصحة كتعليق آيات من القرآن داخل المستشفيات وتوزيع المصاحف على المرضى المنومين. وقرارات فاعلة في وزارة المياه والكهرباء انعكست بإدخال الكهرباء في كل منزل واستراتيجيات مميزة في الحفاظ على المياه وتنويع مصادرها إضافة إلى إبداع خارجي بارز في التمثيل الدبلوماسي في المنامة ولندن.. اشترك في عدة لجان استشارية وقانونية وتأسيسية ووقف على رأس قائمة «المؤثرين» في التنمية «المتأثرين» بحب المرضى المسكون بالعطف على أصحاب المطالب صاحب الشجون في الحديث والفتون في الكلمة والقانون في الأداء القصيبي رواية إنسانية تعتقت بالتجارب فانعتقت من القيود البيرقراطية واتسقت مع روحه الأديبة لتمطر على الأوراق فنونًا بل ونظريات سطرها في عدة روايات وقصص مثل شقة الحرية، ودنسكو وأبو شلاخ البرمائي والعصفورية وسبعة وسعادة السفير والجنية والعود سائحًا إلى كاليفورنيا وهما وحكاية حب ورجل جاء وذهب وأقصوصة الزهايمر. كان القصيبي وسيظل كتلة «بيولوجية» من العطاء وتكتل سيكولوجي من النماء حيث برع في كل أنواع الأدب كتب سلسلة مقالات، في عين العاصفة إبان حرب الخليج الثانية، كما أن له مؤلفات أخرى في التنمية والسياسة وغيرها مثل التنمية، الأسئلة الكبرى، وعن هذا وذاك وباي باي لندن ومقالات أخرى والأسطورة ديانا و100 من أقوالي غير المأثورة وثورة في السنة النبوية وحتى لا تكون فتنة وترجم القصيبي كتابًا للمؤلف إيريك هوفر باسم المؤمن الصادق وفي الشعر حبه التليد وعشقه المجيد أصدر أكثر من 20 ديوانًا وهي أشعار من جزائر اللؤلؤ - مطبعة دار الكتب بيروت وقطرات من ظمأ وفي ذكرى نبيل - ومعركة بلا راية وأبيات غول وأنت الرياض وقصايد مختارة والحمى والعودة إلى الأماكن القديمة والمجموعة الشعرية الكاملة وورود على ضفائر سناء ومرثية فارس سابق وعقد من الحجارة وسحيم وقراءة في وجه لندن واللون عن الأوراد ويا فدى ناظريك والأشج وللشهداء وحديقة الغروب والبراعم. حاصرته ظنون المشككين فناصرته دوافعه الوطنية والفكرية ليسير بعيدًا مسابقًا بعد نظره فيما ظل الآخرون خلفه ردحًا من الزمان يحيكون «الاحتساب» تارة وينسجون «الارتياب» تارات آخر فظل على موقفه لينتصر ببرهان الفكر وأدلة الثقافة. كان القصيبي وسيظل رقمًا صعبًا ومؤثرًا وأول في ميزان المسؤولية الوطنية صاحب مواقف خالدة في عمق التاريخ ليبقى حاضرًا في الذاكرة إرثًا للمعرفة وتراثًا للمسؤولية.
مشاركة :