يكتسب إعلان 14 ديسمبر/ كانون الثاني الذي تصدره لجنة الأسواق المفتوحة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي بعد اجتماعها الدوري أهمية خاصة ليس فقط بسبب ما يقال عن أي تغيير في أسعار الفائدة، ولكن أيضا لأنه يوجه رسائل محددة تكشف مسار سياسته في المستقبل. وهناك عناصر محددة يمكن استخلاصها من البيان الذي سوف يصدر عن اللجنة باعتبارها صانعة السياسات المالية والنقدية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ومن المؤتمر الصحفي الذي تعقده رئيسة المجلس جانيت يلين. لا شك أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي سوف يرفع أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، وهي الزيادة الثانية خلال 10 سنوات. وهذه الخطوة باتت مبررة بعد تحقيق مزيد من التقدم على طريق بلوغ هدف المجلس المزدوج المتمثل في بلوغ التوظيف معدلات قصوى واقتراب معدلات التضخم من 2%،كما أنها معززة بالرغبة في تبرير توقعات السوق الخاصة برفع أسعار الفائدة والتجاوب مع ما يجري خارج الولايات المتحدة من تطورات إيجابية قلصت معوقات النمو وخاصة في أوروبا، على الرغم من نتائج الاستفتاء الإيطالي الأسبوع الماضي. وتماشياً مع هذا الهدف المزدوج، سوف تتأثر مداولات الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بسياسته المالية بتراجع معدل البطالة إلى 4.6% والارتفاع البطيء في نسبة المشاركين في قوة العمل رغم قوة تقارير الوظائف الشهرية. وعندما يتعلق الأمر بالتضخم، فإن الميل إلى تبني توقعات السوق الإيجابية بشكل كامل سيكبحه الانخفاض الأخير في معدل الزيادة في أجور ساعة العمل. وفيما يتعلق بدلالات التحرك المستقبلي سوف يبقي الاحتياطي الفيدرالي الباب مفتوحا أمام إمكانية رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة في عام 2017. ومرد ذلك ليس فقط إلى مؤشرات القوة التي تبدو على عناصر الأداء الاقتصادي الرئيسية للعام القادم، ولكن أيضا إلى الاتجاه الصعودي الجديد للنمو والتضخم المرتبطين بالإشارات الصادرة عن الرئيس المنتخب دونالد ترامب حول سياسته الاقتصادية. ومن الاعتبارات المهمة هنا الدرجة التي تسمح بها السياسة المالية الجديدة بتطبيع السياسة النقدية في ظل الإنفاق البناء على مشاريع البنية التحتية. ولأول مرة منذ فترة طويلة، لا تتراجع النقاط الزرقاء التي تحصي بها لجنة الأسواق المفتوحة توقعات أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي الخاصة بمسار أسعار الفائدة المستقبلي، بدرجة كبيرة. بل إنها سوف تبقى على حالها دون تغيير على نطاق واسع، في حين ستستمر توقعات السوق في اتجاهها التصاعدي مع مرور الوقت. ورغم كل ذلك سوف تتسم إشارات الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية بشيء من الحذر والدقة ولأسباب وجيهة. فصنّاع القرار المالي في الولايات المتحدة الأمريكية يفضلون الانتظار حتى تتكشف معالم خطط الإدارة الجديدة على الصعيدين الاقتصادي والمالي قبل أن يتحولوا إلى اعتماد تغيير في نبرة توجيه الأسواق نحو المستقبل وهي النقطة التي تبقى شديدة الاعتماد على البيانات الاقتصادية. وأظن كما يعتقد الكثيرون أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي لا يزالون في المراحل الأولية من استيعاب التطورات السياسية وتطورات السوق غير المتوقعة التي طرأت الشهر الماضي. ولا شك أن محافظي البنوك المركزية يتطلعون بشغف إلى انفراج أكبر يسهل تطبيع السياسة النقدية التي تنطوي في حال استمرارها على مخاطر عدم الاستقرار وعلى عدد من الأضرار الجانبية والعواقب غير المقصودة. ولكن نظراً لحاجتهم لمعرفة الطريقة التي تترجم بها شعارات ترامب الانتخابية إلى برنامج قابل للتنفيذ، فلا بد أنهم حريصون على عدم التحرك إلا في الوقت المناسب وليس استباقياً. محمد العريان
مشاركة :