جريمة الكنيسة البطرسية رسالة يجتهد الجميع الآن في فك شيفرتها، وتحليل مضمونها، وتوقيتها، والأطراف المعنية بهذا التفجير الإرهابي الذي قُتل فيه 25 من المصلين المسيحيين، غالبيتهم من النساء. أسئلة كثيرة أرهقت عقول المصريين قبل المحللين السياسيين، حول هذا التفجير الأول من نوعه الذي يطال أكبر كنيسة مصرية تعد مقر الأرثوذوكسية في الشرق الأوسط كله، ومن داخلها لا عبر الأسوار الخارجية، طرحوا أمامها السيناريوهات المحتملة للرسائل التي يبعث بها المدبرون لأطراف بعينها، وربما للجميع، رسائل بعضها يتعلق بأسباب وتنظيمات وحسابات داخلية، وأخرى تتعلق بنظرية المؤامرة الخارجية القديمة حول استهداف مصر بفتنة طائفية. "هافينغتون بوست عربي" تحاول أن تطرح السيناريوهات المختلفة التي تفك طلاسم بعض هذه الأسئلة مع مفكرين أقباط وخبراء سياسيين، ونشطاء، وكان هذا التحقيق. السيناريو الأول: رسالة عقاب إلى "أقباط 30 يونيو" لماذا الآن بالتحديد؟ سؤال يجيب عنه الدكتور حنا جريس نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي سابقاً، قائلاً إنهم "يبعثون برسائل للأقباط الذين شاركوا في 30 يونيو/حزيران 2013، وللجهاز الأمني واستقرار البلد". ويقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "هناك رسالة للأقباط الذين شاركوا في 30 يونيو من وراء الحادث، بهدف الوقيعة بينهم وبين المسلمين ورداً على حب المسيحيين للسيسي وتأييدهم الدائم له"، يقول جريس: "والرسالة الأخرى للأمن المصري بأن لديهم القدرة على الوصول لأي مكان ودخول الكنيسة، فهذا تحدٍّ صارخ". أما الهدف الثالث فهو، بحسب الدكتور حنا جريس، استهداف استقرار البلاد عبر أطراف خارجية تقوم بالتمويل وتغذي الفتنة، "فبمجرد أن تبدأ خطوات الإصلاح نوعاً ما، يظهر من لا يريد الاستقرار لهذا البلد، والمستفيد -كما أعلن السيسي- شاب ينتمي إلى جماعة الإخوان، وهذا ليس بمفاجأة، فهم المستفيدون لتنفيذ مخطط عدم استقرار البلد". السيناريو الثاني: تحدي سلطات الأمن والنظام السياسي المفكر القبطي جمال أسعد عبد الملاك كان أكثر وضوحاً، حيث يرى أن من قاموا بتفجير الكنيسة سعوا لإيصال رسالة "تحدٍّ" إلى الجهات الأمنية المصرية، وأخرى للنظام الحاكم، وثالثة للأقباط والبابا تواضروس، للمشاركة في مشهد 30 يونيو 2013. الرسائل الثلاث السابقة التي تحدث عنها أسعد، بخلاف هدف "ضرب الوحدة الوطنية المصرية في مقتل"، يرى أنها "موجهة" للأطراف الثالثة: الجهاز الأمني بكشف عجزه عن حماية الكنيسة الرئيسة الأم، التي تم تفجيرها من الداخل لا من خارجها، فالمتفجرات لم توضع بجانب سور الكنيسة من الخارج، ولكن داخلها، في تحدٍّ كبير للجهات الأمنية. أما "الرسالة السياسية"، الموجهة للنظام الحاكم في مصر، فتتلخص في عقابه على الاستقواء بالأقباط، وإثنائه عن مشاركة المسيحيين احتفالاتهم بالكاتدرائية بصورة متكررة منذ 30 يونيو. والرسالة الثالثة موجهة للأقباط، عقاباً لهم على المشاركة بكثافة في مشهد 30 يونيو، وحضور البابا الاجتماع الذي سبق عزل الرئيس المنتخب السابق محمد مرسي. السيناريو الثالث: سايكس-بيكو جديدة لإسقاط مصر يرى المفكر القبطي كمال زاخر أن تفجير الكنيسة "تطور نوعي وتحدٍّ لقوات الأمن"، ويتفق ضمناً مع اتهام جماعة الإخوان بالوقوف وراءه عبر الانتحاري الذي أعلن عنه الرئيس السيسي، ولكن لا يستبعد مع هذا دور "أجهزة مخابرات أجنبية" ويتحدث عن سيناريو يستهدف مصر مثل "سايكس-بيكو". "زاخر" قال لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن "تلك العمليات كانت تتم من خارج الكنيسة منذ أول أحداث الخانكة عام 1972، وصولاً إلى كنيسة القديسين 2011. أما الآن، فهناك تطور من قِبل هذه الجماعات للوصول لداخل الكنيسة لاستهداف أكبر عدد ممكن من القتلى". وبعدما أشار إلى إعلان السيسي عن المفجر الانتحاري، رأى "زاخر" أن "فشلهم في مخطط 11/11 (يقصد ثورة الغلابة) جعلهم يسعون لخرابها في 11/12"، مشيراً إلى أن "هذه الجماعات انتظرت حدوث ثورة عقب القرارات الاقتصادية بتعويم الجنيه وقفز الأسعار إلا أن الشارع المصري استوعب أسباب هذه القرارات". وتابع: "بقي عصب واحد ملتهب هو الفتنة الطائفية فلعبوا عليه، ولو رجعنا إلى ما بعد فض اعتصام رابعة والنهضة سنجد أن هناك 17 كنيسة حُرقت في وقت واحد، أي هناك عمليات منظمة"، بحسب قوله. وعن السيناريوهات المطروحة بأن يكون هذا الحادث انتقاماً للحكم بإعدام "حبارة"، قال: "لا يمكن أن يكون وراء هذا الحادث أفراد؛ بل أجهزة استخبارات دول عربية وأجنبية داعمة للإرهاب". وحول ما يردده البعض عن تورط الاستخبارات الإسرائيلية، استبعد "زاخر" تورط إسرائيل في الحادث بقوله: "إسرائيل أصبحت تلعب دور المتفرج؛ لأن هناك من يقوم بما تريد نيابة عنها". وتابع: "إننا أمام سايكس-بيكو ثانية، إلا أن الجيش المصري جيش نظامي وليس من المرتزقة كالجيش السوري والعراقي، فالغرض إسقاط وطن، ولكن الشعب المصري ليس له مثيل في التماسك والوحدة الوطنية، ما يمثل فشلاً لهؤلاء المفجّرين"، بحسب تعبيره. السيناريو الرابع: مجرد قصور أمني كبير ويرى مفكرون مصريون أن الرسالة الأساسية التي سعى منفذو التفجير لإرسالها هي أن هناك "قصوراً أمنياً شديدا"، ومن ثم تحدّي النظام الحالي الذي يعتمد على "الأمن". فالدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، يرى أن رسالة الحادث هي أن هناك "قصوراً أمنياً كبيراً"، إما أن يكون ناتجاً عن اختراق للمنظومة الأمنية، أو إهمال كبير، وإما غيرهما من الاحتمالات، حسب رأيه. ويرى أن "استمرار هذه العمليات يدل على وجود أزمة حقيقية، وأن الوسائل المستخدمة في مواجهتها غير مجدية، وأن الفراغ السياسي الذي تشهده مصر يساعد في تفاقم الأزمة، ومن ثم فإن المطلوب هو منهج جديد لمواجهة هذه العمليات وسدّ ذلك الفراغ". واعتبر المهندس ممدوح حمزة أن العمليات الإرهابية الأخيرة، ومن بينها تفجير الكنيسة البطرسية بالعباسية، هي "ناتج عن ترتيب خاطئ لأولويات الأجهزة الأمنية". ما نحن فيه الان من توسيع دائره الاٍرهاب من سيناء الي المناطق الاهله بالسكان ليس تسيب أمني وانما بسبب فرضي أولويات اجهزه الامن — Mamdouh Hamza (@Mamdouh_Hamza) أيضاً، علقت الإعلامية المثيرة للجدل أماني الخياط، على التفجيرات التي تعرضت لها كنيسة الكاتدرائية، متهمة أجهزة استخبارات أجنبية. واتهمت من قالت إنهم "يهود العالم" بأنهم "وراء ذلك المشهد بسبب رفض السيسي للدولة اليهودية"، بحسب قولها.
مشاركة :