نعى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب المفكر العربي د. صادق جلال العظم الذي توفي أمس الأول في برلين بألمانيا. وصدر بيان بهذا الخصوص بتوقيع حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب هذا نصه: يرحل الجميع، فتلك سنّة لا مهرب منها. غير أنّ الرحيل شيء، والغياب شيء آخر، لاسيّما عندما يكون الحديث عن كبارٍ تفرّدوا، وكانوا علاماتٍ تدلّ على نفسها بنفسها، وحدهم الكبار لا يتساوى رحيلهم بالغياب، وصادق جلال العظم المفكر العربي المرموق حاضرٌ من قبلُ ومن بعدُ، فهو علامة، وهو مسيرة، وهو تجربة. العظم تجربة. يمكن أن نجمل القول. تجربة راكمت أسئلة فوق أسئلة، معتدّةً بمنهج في التفكير يعلي من شأن النقد بوصفه أداة من أدوات المعرفة لا غنى عنها. الوصول إلى الحقيقة، ولكن لا عبر الطريق السهل الممهّد المفضي إلى القشر فقط، بل عبر الحفر العميق المؤلم الذي يقود نحو الجوهر، فكانت التجربة بذلك امتداداً لأخرى كبيرة سبقته في الماضي البعيد والقريب، وتأسيساً لتجارب أخرى تلته وما زالت تكتوي بالنار نفسها. هذا على مستوى الفكر، يليه مستوى الشخصية الأخلاقية النقية التي نأت بنفسها عن أيّ شبهة، وظلت مخلصة لعالمها الذي يحمل عنواناً واحداً هو الحياة من أجل الحقيقة لا من أجل منصب أو مال أو أيٍّ من الأعراض الزائلة التي يبيع آخرون حياتهم وأوطانهم وقيمهم من أجلها. ثم يأتي انحيازه لقضايا شعبه السوري الذي يمر اليوم بمحنة الولادة الجديدة الصعبة، في نضالٍ يواجه فيه الاستبداد السياسي الأرعن المسكون بوهم السلطة المطلقة، كما يواجه في الوقت نفسه وبالشراسة نفسها انتهازية القوى الظلامية المتفلّتة من كل الضوابط عقيدةً وقانوناً وأخلاقاً وحسّاً، متخفيةً وراء عباءة الدين، ظناً منها أن الآخرين عميٌ لا يرون ولا يعرفون. رحيل صادق جلال العظم خسارة كبيرة، لكنه الرحيل العارض الطارئ، يقابله الحضور قويّاً ناصعاً متواصلاً من خلال ما تركه في الذاكرة، وهنا يكمن العزاء. إن الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، إذ ينعى إلى الوسط الثقافي العربي المفكر والأكاديمي والكاتب الكبير د. صادق جلال العظم وقد غادر دنيانا في منفاه بعد محنة المرض التي ألمت به، ليعبر عن عميق ألمه، داعياً له بالرحمة والمغفرة، ولذويه ومحبيه وتلامذته بالصبر والسلوان. مفكر كبير والعظم أكاديمي ومفكر، يوصف بأنه من أبرز العقلانيين العرب المنافحين عن العلمانية والديمقراطية، أثارت آراؤه جدلاً كبيراً وخاض معارك فكرية متعددة بسبب كتاباته، وحُكم عليه بالسجن إثر نشره كتابه نقد الفكر الديني، وأيد بقوة الثورة السورية. درس صادق العظم المرحلة الابتدائية في دمشق والثانوية في المدرسة الإنجيلية بصيدا في لبنان، ثم التحق بالجامعة الأمريكية ببيروت؛ حيث نال البكالوريوس في الفلسفة 1957، وسافر إلى الولايات المتحدة؛ لإكمال دراساته العليا في جامعة ييل، فحصل على الماجستير في الآداب (1959)، والدكتوراه في الفلسفة الحديثة 1961). تولى العظم وظائف ومسؤوليات عدة، إذ درّس في جامعات مختلفة، وأسنِدت إليه عام 1969 رئاسة تحرير مجلة الدراسات العربية التي تصدر في بيروت، كما عمل باحثاً أيضاً في مركز الأبحاث الفلسطيني. حوكم العظم بسبب كتابه نقد الفكر الديني الصادر عام 1969 إثر نكسة يونيو/ حزيران 1967، وصدر عليه حكم بالسجن مطلع عام 1970، لكن المحكمة أعلنت براءته لاحقاً في العام نفسه. سيرة ذاتية ولد جلال صادق جلال العظم في دمشق عام 1934 وهو مفكر وأستاذ فخري بجامعة دمشق في الفلسفة الأوروبية الحديثة، كان أستاذاً زائراً في قسم دراسات الشرق الأدنى بجامعة برنستون حتى عام 2007. ويُعرف عنه أنه مؤيد لحقوق الإنسان. درس الفلسفة في الجامعة الأمريكية، وتابع تعليمه في جامعة يال بالولايات المتحدة. عمل أستاذاً جامعياً في الولايات المتحدة قبل أن يعود إلى سوريا ليعمل أستاذاً في جامعة دمشق في 1977-1999. انتقل للتدريس في الجامعة الأمريكية في بيروت بين 1963 و1968. عمل أستاذاً في جامعة الأردن، ثم أصبح سنة 1969 رئيس تحرير مجلة الدراسات العربية التي تصدر في بيروت. عاد إلى دمشق 1988 ليدرس في جامعتها وتمت دعوته من قبل عدة جامعات أجنبية، ثم انتقل إلى الخارج مجدداً ليعمل أستاذاً في عدة جامعات بالولايات المتحدة وألمانيا. كتب في الفلسفة وعن دراسات ومؤلفات عن المجتمع والفكر العربي المعاصر، وهو عضو في مجلس الإدارة في المنظمة السورية لحقوق الإنسان. وانتخب صادق جلال العظم عام 2013 كأول رئيس لرابطة الكتاب السوريين التي تأسست من قبل كتّاب داعمين للثورة السورية. ترأّس صادق جلال العظم تحرير مجلة الدراسات العربية الصادرة في بيروت، ثم شغل منصب رئيس قسم الدراسات الفلسفية والاجتماعية في كلية الآداب بدمشق بين عامي 1993 و1998 بعد تقاعده تنقل العظم بين جامعات عدّة في العالم، حيث عمل أستاذاً في جامعتي برنستون وهارفارد في أمريكا، وفي جامعات هامبورغ وهومبولت وأولدنبورغ في ألمانيا، وفي جامعة توهوكو في اليابان، وفي جامعة أنتويرب في بلجيكا، وهو عضو في أكاديمية العلوم والآداب الأوروبية، ومن أهم المدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي. مزج صادق بين هذه العلمانية النخبوية وميوله الاجتماعية واليسارية، وبمحصلة هذا التكوين لم يتعذر عليه في أي وقت أن يكون مواطناً كوسموبوليتياً، إلى جانب الانتماء العفوي والتلقائي والطبيعي إلى بلد ومدينة وثقافة كما يقول. من أعماله ومن أبرز أعماله فضلاً عن نقد الفكر الديني (1969)، الاستشراق والاستشراق معكوساً (1981) ما بعد ذهنية التحريم (1992)، دفاعاً عن المادية والتاريخ، في الحب والحب العذري، النقد الذاتي بعد الهزيمة. حاز العظم عدّة جوائز دولية، كان آخرها وسام الشرف الألماني من معهد غوته الألماني في ال9 من يونيو 2015، كما نال جائزة ليوبولد لوكاش للتفوق العلمي سنة 2004، والتي تمنحها جامعة توبينغن في ألمانيا، وجائزة إيرازموس الشهيرة في هولندا.
مشاركة :