دبي : مصعب شريف يغوص المخرج الإماراتي عبدالله الكعبي، في فيلمه الروائي الطويل الرجال فقط عند الدفن، الذي عرض ضمن مسابقة المهر الإماراتي، في ما يصنف بأنه مسكوت عنه، في المجتمعات العربية، ليقارب بحرفية سينمائية كبيرة، قصة حياة عائلة عراقية في حقبة ما بعد الحرب العراقية الإيرانية. يبدأ الفيلم بمكالمة تتلقاها غنيمة التي تعمل مقدمة برامج في إحدى الإذاعات المحلية، من عارفة صديقة والدتها والمقيمة معها في إحدى القرى العراقية، تخبرها فيها بأن والدتها الكفيفة تطلب حضورها فوراً لإبلاغها أموراً مهمة، تقطع غنيمة عملها وتتصل بزوجها جابر، الذي يطلب منها أن تسبقه وأنه سيلحق بها بعد مشوار قصير، تصل غنيمة وتبدأ حديثاً مع أمها وعارفة في سطح المنزل. تشير الأم إلى أنها بصدد الإفشاء عن سر ظلت محتفظة به لفترة طويلة، وقبل أن تبدأ في الحكاية تحاول الجلوس في مقعد على حافة السطح، فتهوي من السطح لتصدمها سيارة جابر الذي يأتي مسرعاً للحاق بهم، تموت الأم وتبدأ حكاية أخرى تتكشف خلالها أسرار الأم فاهمة، خلال أيام العزاء، عبر تقنية الفلاش باك، الذي تبدأ خيوطه من مشهد الدفن في المقابر، ويواري جابر ومن معه من الرجال رفات فاهمة، لتظهر امرأة من بعيد وسط القبور، على غير المعهود في الثقافة العربية. وهو الأمر الذي نوه له المخرج كتابة في بداية الفيلم، بعد أن يعود الرجال من الدفن يتضح لنا أن المرأة التي ظهرت في المقابر متخفية، هي عائشة شقيقة غنيمة، التي هربت بعد أن رفض والدها الراحل تزويجها لمن تحب، محاولاً إجبارها على الزواج من ابن عمها على طريقة زواج أختها غنيمة. في اليوم الأول للعزاء يأتي شيخ القرية ويسأل بفضول كبير عن أسباب الوفاة التي اتفق الجميع على إخفائها، مشيرين إلى أن العمى هو السبب الرئيسي للوفاة، يصر شيخ القرية على إشباع فضوله، فيسأل عن أسباب عمى الراحلة. تروي عارفة القصة مشيرة إلى أنها فوجئت بها في أحد الأيام تصرخ فيها أن تشعل الأنوار فهي لا تستطيع رؤية شيء إلا الظلام، وذلك بعد وفاة زوجها الذي كان يعاني مرضاً عضالاً، وهي المشاهد التي يصورها الكعبي بهدوء. هنا تبدأ القصص في الاسترسال، في عزاء تصفه الأختان المتشاجرتان، بأنه أتعس عزاء، لكونه لم يشهد حضور أي أحد، ثم يغرقان في ضحك طويل على المفارقة. في اليوم الثاني للعزاء تأتي إحدى صديقات فاهمة وتحكي لبناتها بعض الأسرار عن قوة علاقتها بها، كيف أنها انقطعت عنها بعد أن حرمهما زوجها والدهن من التواصل، وهو الأمر الذي تؤكد عليه عارفة، التي تمنع الصديقة التي غادرت حياة البطلة، منذ ولادة البنات، من الاسترسال، إلا أنها لا تدري أن غنيمة قامت بالتنقيب في أغراض والدتها لتجد حزمة من الخطابات لمجموعة من النساء اللائي تربطه بهن علاقة عشق، بينهن رسالة غارقة في الحميمية، موجهة للدكتورة خلود. تخرج الصديقة وبنهاية زيارتها ينتهي اليوم الثاني للعزاء، بعد أن تكشف للبنات أن أمهن كانت شاعرة عظيمة، وتطلعهن على مجموعة من قصائدها القديمة، مشيرة إلى أن والدهن كان سبباً في توقفها عن كتابة الشعر، باعتباره عاراً على المرأة حسب التقاليد المجتمعية، وفي اليوم التالي تأتي الدكتورة خلود، وترفض عارفة إدخالها للمنزل لأداء واجب العزاء، لكن غنيمة تنقذ الموقف لتكشف لها أنها الدكتورة غنيمة، تحاول عارفة أن تحول دون أن تتعرف البنات الى سر علاقة والدتها بطبيبة والدهما، إلا أن غنيمة تنهي الموضوع مشيرة إلى أنها كشفت كل شيء عبر الخطابات. يفكك الكعبي هذه العلاقات الحساسة التي لا يجرؤ أحد على الحديث عنها في المجتمع بترميز كبير، حتى في الإشارة لطبيعة العلاقة بين فاهمة وصديقاتها، دون أن يستدعي مشهداً مباشراً ليحدد به طبيعة العلاقة، عن هذا الترميز، وحول ما إذا كان من الأجدى فنياً إيراد مشاهد جريئة مباشرة تحدد طبيعة العلاقات يقول الكعبي: هذه ليست طريقتي، المشاهد اليوم ذكي جداً ولدينا ثقافة سينمائية، هذه مشكلة السينما العربية تروي كل شي بمباشرة، لا بد من استفزاز خيال المشاهد، ومع الكاميرا والتمثيل، أستخدم خيال المشاهد، طريقتي هي استفزاز خيال المشاهد. ومع أن الكعبي فكك جميع الأسرار بما فيها فترة اختفاء عائشة، إلا أنه حتى نهاية الفيلم لم يكشف عن طبيعة علاقة عارفة التي تلازم البطلة في المنزل بها، وما إذا كانت تربطها بها صلة قرابة أم لا، يقول الكعبي إنه قصد هذا التمويه، لأن كل شخص لديه فهم خاص للموضوع، مشيراً إلى أنه كان يود أن يبدأ الفيلم في ذهن المشاهد بعد نهاية العرض. يقول الكعبي: سؤال كيف ترى الفيلم هذه التساؤلات كانت مهمة لي لذلك أنا العب على خيالك كمتلقٍ، دون وجود لقطات خارجة، هنالك ترميز حتى في الإشارة لهذه العلاقات النسائية غير الطبيعية. ويكشف الفيلم عن عدة خيوط في حياة هذه الأسرة، أهمها أن والدة البنات، لم تكن كفيفة وأنها كانت شاهدة على كل شيء، وهو الأمر الذي اكتشفته عارفة بعد سقوطها من السطح مباشرة، وهو ما تفسره بأنها رأت في حياتها ما يكفي من الحرمان والذل على يد زوجها، وهو يزوج بنتها بمن لا تحبه، وهروب بنتها الأخرى، وتتظاهر بالخداع، لتسمح لعائشة وابنها بالحياة في المنزل في تعقيد كبير للمعالجة الروائية للعمل. يضيف الكعبي: عندما فكرت في الفيلم كنت أود أن يكون العمل جديداً. كنت جريئاً في ما هو أكثر من الموضوع، حتى في موقع التصوير في طريقة الإضاءة في الخلفية، وفي الأماكن، هذه الأشياء التي كنت أحب أن أقدمها أشياء جديدة.
مشاركة :