افتتحت أمس الثلثاء (13 ديسمبر/ كانون الأول 2016) أمام محكمة في العاصمة الإندونيسية محاكمة حاكم جاكرتا المسيحي بتهمة الإساءة للقرآن في قضية أثارت جدلاً واسعاً في البلاد وأدت إلى تظاهرات واسعة لأنصار الجماعات الإسلامية المتشددة. ويعتبر كثير من المراقبين هذه القضية اختباراً للتسامح الديني في إندونيسيا الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا وتآكلت سمعتها كبلد تعددي في السنوات الأخيرة مع تزايد الهجمات التي تستهدف الأقليات وخصوصاً المسيحيين. وحبس باسوكي تاهاجا بورناما الملقب «آهوك» أول حاكم مسيحي لجاكرتا منذ قرابة خمسين عاماً، وكان جالساً على كرسي مقابل القضاة، دموعه وهو يدافع عن نفسه من تهمة إهانة المسلمين والإساءة للقرآن التي يعاقب عليها القانون بالسجن لمدة يمكن أن تصل إلى خمسة أعوام. وبثت قنوات التلفزيون الكبرى في البلاد الجلسة مباشرة بينما نشرت قوات أمنية كبيرة لتجنب أي فلتان بين أنصار «آهوك» ومعارضيه الذين تجمعوا خارج المحكمة. وأثار الحاكم المعروف بصراحته وينتمي إلى أقليتين - مسيحي وأصوله صينية - استياءً في أكبر بلد مسلم في العالم في عدد السكان، منذ أن صرح في سبتمبر/ أيلول أن تفسير علماء الدين لآية في القرآن تفرض على المسلم انتخاب مسئول مسلم، خاطئ. وأثارت تصريحاته التي تداولتها المواقع الإلكترونية، حركة احتجاجية عززها المتشددون الإسلاميون الذين عارضوا باستمرار وجود حاكم غير مسلم في العاصمة لكنهم فشلوا في منع ذلك بسبب شعبيته الكبيرة. وقد طالبوا بتوقيفه منذ ذلك الحين. و«آهوك» الذي كان يتمتع بشعبية كبيرة، أدلى بهذه التصريحات خلال الحملة لإعادة انتخابه في اقتراع سيجرى في فبراير/ شباط 2017 وسط منافسة حامية. خلفية سياسية بعد إدلائه بالتصريحات، قدم «آهوك» اعتذاراته لكن هذا لم يهدئ الغضب الذي أثاره. وقد تظاهر مئات الآلاف من المسلمين في جاكرتا مؤخراً بدعوة من منظمات إسلامية تطالب بسجن حاكم العاصمة. وفي حديثه للمرة الأولى أمام المحكمة، بدا التأثر الشديد على «آهوك» الذي توقف عن الكلام مرات عدة ليمسح دموعه، مؤكداً براءته. وقال «أعرف أن من واجبي احترام القرآن ولا أفهم كيف يمكن أن أتلقى اللوم لإهانة الإسلام». ويرى محللون أن هذا الخلاف ديني بقدر ما هو سياسي إذ أن انتخابات حاكم العاصمة السياسية والاقتصادية للبلاد في فبراير 2017 تعد محطة في الطريق الانتخابات الرئاسية في 2019. وكان الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو الذي كان حاكماً لجاكرتا قبل «آهوك» وانتخب رئيساً في 2014، ألمح أن تظاهرة الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني التي انتهت بمواجهات عنيفة مع الشرطة، استخدمت أداة في إطار الحملة الانتخابية لانتخاب الحاكم. وأضاف أن «مسئولين سياسيين» يقفون وراء هذه الحوادث. وكان من المرجح أن يفوز الحاكم في الانتخابات القادمة في فبراير المقبل. لكن بسبب هذه القضية تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي وبات في المرتبة الثانية بعد أغوس هاريمورتي يودويونو الابن الأكبر للرئيس السابق وهو مسلم. وخلال اليوم الأول من المحاكمة، قال المدعي العام علي موكارتونو إن الحاكم أهان الإسلام، مشيراً إلى أن أكبر هيئة مسلمة في البلاد قالت إن تصريحاته تشكل تجديفاً. ودافع الحاكم عن نفسه مؤكداً أن أقرباء مسلمين له ولعائلته لعبوا دوراً أساسياً في حياته، لذلك الاتهام بالتجديف يحزنه كثيراً. وقال «آهوك» بصوت مرتجف «إنني حزين جداً. هذا الاتهام يعادل القول إنني أهنت والدي بالتبني وأخوتي وأخواتي الذين أحبهم ويحبونني». وخارج المحكمة، تجمع عشرات من أنصار الحاكم لدعمه. وقال أحدهم «سنواصل الكفاح ولن نسمح باستفزازنا أو التأثير علينا». وفي مكان أبعد، هتف معارضو حاكم جاكرتا «آهوك إلى السجن». وحدد معد الجلسة المقبلة في 20 ديسمبر الجاري.
مشاركة :