الدور الذي لعبته المعارضة لم يكن أقل سوءا من الدور الذي لعبه النظام. تأخرهما في القبض على اللحظة المناسبة للاتفاق، سمح للتنظيمات الدينية المسلحة بالاستيلاء على عدد من المدن السورية وفي مقدمتها حلب. العربفاروق يوسف [نُشرفي2016/12/14، العدد: 10485، ص(9)] هل ستعترف المعارضة السورية بهزيمتها وتقبل بها؟ ولكن تلك الهزيمة لم تقع في حلب. لم يكن مقاتلو حلب الذين هُزموا ينتمون إلى فصائل المعارضة التي تبلورت قبل حوالي ست سنوات. لقد تأخرت المعارضة كثيرا في الإفصاح عن حقيقة ما كان يجري على الأرض. ألأنها كانت تراهن على انتصار الجماعات الدينية المتشددة التي كانت إلى وقت قريب تقبض على الأرض؟ شيء من هذا القبيل يمكن توقعه. لذلك فإن عرض النظام السوري القاضي باستئناف الحوار السوري-السوري لن يكون جادا في ظل سقوط الرهان الأخير للمعارضة. وهو رهان لم يكن واقعيا ولا ينطوي على أي شيء بإمكانه أن يؤهل المعـارضة لكي تكـون طـرفا في حوار سياسي. المعارضة التي ذهبت مرات إلى جنيف ومن بعدها إلى فيينا لم تكن تملك شيئا تقدمه أو تقايض عليه. مادتها في الحوار كلام في السياسة، لم يعد له مكان في ظل حرب شرسة، ذهب مئات الآلاف من البشر ضحية لها. النظام وقد بات منتصرا، لم يعد معنيا بالثقل السياسي لمعارضيه. ستيفان دي ميستورا، المندوب الأممي يعرف أن أبواب الحوار السياسي لن تفتح إلا وفق شروط يضعها النظام. لذلك حذر من مغبة أن يلحق النظام بنفسه الهزيمة من جديد إن هو تصرف بروح المنتصر. ولكن دي ميستورا لم يفهم النظام ولا معارضيه. لم تكن الحرب لتقع لو أن الطرفين كانا يفكران في الوصول إلى سلام أهلي، كان قائما قبل وقوعها. وقعت الحرب لأن كل طرف من طرفيها كان يسعى إلى أن ينتصر، ليجعل الطرف الآخر مهزوما. لقد مر النظام السوري بأوضاع سيئة أغرت معارضيه بأن يرفعوا من سقف مطالبهم التي لم تنخفض عن مستوى رحيله. وكانت تلك فكرة غبية. فلا أحد في عالمنا العربي يكون قادرا على التفاوض ويقبل بفكرة تنحيه عن الحكم. وهو ما يعني أن المعارضة لم تكن جادة في محاولتها إنقاذ سوريا من هلاك الحرب، أو أنها كانت بسبب القوى التي تموّلها وتدعمها مجبرة على القيام بذلك. الدور الذي لعبته المعارضة لم يكن أقل سوءا من الدور الذي لعبه النظام. تأخرهما في القبض على اللحظة المناسبة للاتفاق، سمح للجماعات والتنظيمات الدينية المسلحة في الاستيلاء على عدد من المدن السورية وفي مقدمتها حلب. وهو ما جعل من مفاوضات النظام مع معارضيه أمرا غير ذي جدوى. ذلك لأن المعارضة لم تعد طرفا في النزاع. المعارضة لم تخسر شيئا في حلب التي دمّرت بقسوة. المعارضون الذين ذهبوا إلى جنيف مرات عديدة كانوا قد خسروا كل شيء قبل حلب. وهو ما كانت روسيا تعرفه جيدا. الغرب الذي دعم المعارضين كان يعرف ذلك أيضا. لذلك لم يؤثر شعار الهولوكوست الروسي في حلب الذي رفعه المعارضون السوريون في أحد. كانت حلب بالنسبة إلى الجميع، غربا وشرقا، مدينة اختطفها الإرهابيون. مرحلة ما بعد حلب لن تكون مختلفة بالنسبة إلى النظام عن مرحلة ما قبل حلب. فهو مطمئن إلى أن أثرا من المعارضة التي كان يجب عليه أن يفاوضها لن يكون موجودا على الأرض. لقد قضت المعارضة بنفسها على نفسها يوم جعلت من جبهة النصرة فصيلا سوريا معارضا. ما يعرضه النظام السوري على مستوى إمكانية استئناف الحوار السوري-السوري من غير شروط مسبقة وبعيدا عن التدخل الخارجي هو فعل نكاية، يراد منه استعراض الواقع الجنائزي الذي انتهت إليه سوريا، بلدا مدمّرا، انتصر فيه الأغراب على الأغراب، من غير أن يمسك النظام ولا معارضوه برأس الخيط الذي يقود إلى نسيجه. كاتب عراقي فاروق يوسف :: مقالات أخرى لـ فاروق يوسف من سيحاور من في سوريا, 2016/12/14 في محميات الجمال , 2016/12/12 رضا بالطيب الذي وضع الحياة في خدمة الرسم, 2016/12/11 هل نفعنا الصبر؟, 2016/12/09 من يربح الحرب يخسر السلام, 2016/12/08 أرشيف الكاتب
مشاركة :