الهدر والراحل السميط وقصة الفقيرة: التي ليس لديها لباس يسترها - حمد بن عبدالله القاضي

  • 12/15/2016
  • 00:00
  • 62
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أنني سمعت هذه القصة منذ أكثر من عشر سنوات بمحاضرة للإنسان الراحل المناضل عبدالرحمن السميط، من أجل توفير عيش كريم وتعليم وتطبيب لإخوته وأخواته بأفريقيا عليه رحمة الله. أقول رغم أنني سمعتها منذ مدة طويلة فلا أزال أتذكر وأتأثر كلما ذكرتها، ودوماً يحرك شجونها قلبي عندما أرى ما يصدم بصري وإحساسي، عندما أرى النزف والهدر حتى الآن رغم بداية تغير الأوضاع الاقتصادية لدينا. هذه القصة التي رواها الراحل بصوته بتهدُّج شديد وذلك بمحاضرة في مركز الملك فيصل للبحوث بالرياض، وهو يروي في إحدى زياراته لإحدى الدول الإفريقية الفقيرة. فقد كانوا بالصحراء وفد بالقرب من إحدى القرى المعدمة، وبدأ هو ومن معه يطبخون الطعام لأهل هذه القرية وبدؤوا وهم قد أنهكهم الجوع يتقاطرون عليهم، وكانوا يعطون كل شخص وجبة واحدة ولا يستطيعون أكثر من ذلك. يقول الشيخ السميط: جاء رجل منتصف الليل بلباس بسيط متواضع جداً فأعطيناه وجبته وقال ستأتي زوجتي بعدي لتأخذ نصيبها، فقلنا لماذا لم تأت معك في هذا الليل ولم يجب، بل بكى قلنا سلامات لماذا تبكي ونحن فقط سألناك عنها؟ قال: هي تنتظرني بغرفة الصفيح حتى أعود إليها وأعطيها بعض ما ألبسه فليس لديها لباس كاف يسترها كامرأة حتى تخرج وتأتي لكم! يا رب رحماك بها وبكل إخوتنا المعدمين والمعدمات بهذه الدنيا يا رب رحماك بنا على هدرنا وإسرافنا وعدم ترشيدها يا رب لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا: بدءاً من وضع عجلان لصحون المفاطيح والحواشي ومروراً بشحن السيارات بأكوام الأرز بعد العزائم وأخيراً بالهدر بحفلات ومناسبات الزواج الرجالية والنسائية. =2= هل نكلف الأيام فوق طباعها؟: كما تحنُ «النوارس» إلى شواطئها.. يجد الإنسان نفسه – أحياناً - مشدوداً إلى أشيائه البسيطة التي تعايش معها حيناً من الدهر مذكوراً. يحنُ إليها حنين الخلوج لولدها.. ويجاهد من أجل أن يتذوق عذوبة ريّها.. ودفء لحظاتها عندما كان كل شيء بسيطاً .. بسيطاً. وتمضي الأيام..! ما بين صهيل الفرح في أيامك الغابرات والحاضرات.. وبين صليل الشجن في أعماق الذات.. تسافر من هجير إلى ظل.. ومن صحراء إلى خمائل. وتلك هي رحلة الحياة..! محطات من أفراح وأشجان.. من أنهار ونهارات.. من أنغام تجعل البهجة تشع دواخلك إلى أنغام تفجر الألم في نفسك. وما أحلى الحياة عندما تكون ساعاتها رخاء.. ونهاراتها أفراحاً.. ولياليها أنساً.. وما أمرّها عندما تقلب ظهر المجن فتكون لحظاتها تعباً.. وساعتها كمداً. ومع كل ذلك، ومع كل رغبتنا في التغيير لا نقدر أن نكلف الأيام فوق طباعها.. لابد أن نقبلها بريّها وظمئها.. بأنسها وشقوتها..!

مشاركة :