لا أملك أي تفسير لابتعاد الكثير من الناس عن الروحانيات، وما تأمرهم به القيم والأخلاق سوى ميلهم الجارف نحو المادية، والتعامل مع كل صغير وكبير في الحياة بلغة المال فقط. هذا الأمر نتجت عنه مشاكل لا حصر لها كطغيان المصالح الشخصية على الصالح العام، وكذلك تفشي الأنانية وعدم المبالاة بأخلاق المجتمع. والأدهى من ذلك والأمر عندما يغلب المال الأخلاق، وعندما يُقصى العلم وأهله ويُقرّب أصحاب الأموال وإن بلغوا من الجهل مبلغا عظيما، هذا بحد ذاته لا يبشر بخير أبدا، العلم يقف وحيدا، والجهل يجلس متربعا على كتف المال. إننا نعلم جميعاً أن الأخلاق هي شكل من أشكال الوعي الإنساني، وهي أيضا عنوان الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان، ونادى بها المصلحون في كل مكان وزمان، فهي أساس من أسس الحضارة، ووسيلة للمعاملة بين الناس. ولكن للأسف الشديد من يشاهد بعض الفضائيات يتأكد فعلا أن المحافظة على الأخلاق وتنميتها هي آخر اهتمامات هذه القنوات، بل على العكس تماما هناك صناعة إعلامية للتفاهة، وإذا جاز لي التعبير سأقول إن هناك رأسمالية إعلامية قاعدتها الكبرى هي البحث عن الإثارة والاستخفاف بالذوق العام للمشاهد، وجعل الحمقى مشاهير. (لا تجعلوا من الحمقى مشاهير) تستحق هذه العبارة أن تكتب فوق جدران المؤسسات والشركات التي أصبحت تتهافت على هؤلاء، وتصنع منهم نجوما من ورق من أجل تسويق منتجاتها ومهرجاناتها وحفلاتها. نحن فعلاً أمام كارثة أخلاقية بمعنى الكلمة، تحدث جهاراً نهاراً على منصات برامج التواصل الاجتماعي و الفضائيات. هؤلاء المشاهير يسهمون بشكل مباشر وفج في انحدار الذائقة الجمالية، وفي تردي الذوق العام والأخلاق، المشكلة الكبرى هنا أن الأجيال الناشئة تتهافت على متابعة هؤلاء، بل وتجعل منهم قدوات. وما أخشاه حقاً أن يعتقد هذا الجيل الصاعد أن الأفكار السطحية والكلمات البذيئة والاستهبال والحركات الكوميدية المفتعلة هي من سيجعلهم يحصلونعلى الشهرة التي تفتح لهم أبواب المجد نحو نجومية الإعلام مستقبلا.
مشاركة :