مدائن صالح.. موطن الحضارات قبل الميلاد

  • 3/27/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

على بعد 22 كيلو مترا شمال محافظة العلا تقع تقع دار الحجر وتشتهر بـ "مدائن صالح". ساد هذه البقعة من العالم عدة حضارات عريقة منذ ما قبل الميلاد، حيث وجدت نقوشاً كتابية للعربية الجنوبية، واللحيانية والثمودية والنبطية واللاتينية والإسلامية. تتوافر في الحجر كل مقومات الاستيطان من مياه وتربة خصبة وموقع مهم على الطرق المؤدية إلى المراكز الحضارية الكبرى في الشرق الأدنى القديم. وبلغ الموقع أوج ازدهاره خلال العصر النبطي بدءاً من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثاني الميلادي. ومن خلال جولة لـ "الاقتصادية"، أشار المرشد السياحي فايز الجهني إلى أنه يمكن تصنيف الآثار الباقية في موقع الحجر "مدائن صالح" إلى ثمانية أنواع، واجهات المقابر المنحوتة، المنطقة الدينية، المنطقة السكنية، الآبار والقنوات المائية، آثار طريق الحج الشامي، آثار سكة حديد الحجاز، آثار قرية الحجر، المدافن الركامية على رؤوس الجبال. وتحتل الحجر "مدائن صالح" موقعاً استراتيجياً على طريق التجارة القديم "طريق البخور" الذي ربط جنوب الجزيرة العربية بشمالها وبالمراكز الحضارية في بلاد الرافدين وبلاد الشام ومصر، ومنها كان يتفرع الطريق القادم من الجنوب إلى فرعين، أحدهما يتجه إلى تيماء فدومة الجندل ثم بلاد الرافدين، والآخر وهو "درب البكرة"، الذي يربط الحجر بالبتراء في الأردن عاصمة مملكة الأنباط. والأنباط قبائل عربية عاش أفرادها حياة البداوة وحرفة الرعي في بادئ الأمر، ثم تحضروا واستوطنوا المدن واتخذوا التجارة حرفة لهم، وأصبحوا خبراء في استنباط المياه ومعرفة مكامنها، وتجميعها عبر قنوات في صهاريج واسعة وعميقة. واستقر الأنباط في بلاد الشام وأسسوا مملكة عربية سميت مملكة الأنباط، واتخذوا البتراء عاصمة لهم، وكانت الحجر "مدائن صالح" تمثل عاصمتهم الثانية، وقاعدتهم الاستراتيجية على حدود مملكتهم الجنوبية. كانت لغة الأنباط عربية شمالية من حيث المفردات والأسماء، واستخدموا القلم الآرمي في كتاباتهم وطوروه، حيث ربطوا الحروف ببعض. وتتميز منطقة الحجر بتكويناتها الصخرية الرائعة المتمثلة في الجبال الحجرية الرملية ذات الألوان الوردية، وتزيد الموقع جمالاً الكثبان الرملية ذات الألوان الذهبية التي تحف بجبال الحجر من جميع الجهات. ويشير المرشد السياحي فايز الجهني إلى أن مساحة موقع الحجر الأثري تبلغ 1621 هكتاراً وتتوزع المقابر في مجموعات عرفت عند سكان المنطقة مثل قصر الصانع، وهي مجموعة مقابر تقع في الجهة الجنوبية من الموقع، وتتكون من كتلتين صخريتين، غربية وفيها مقبرة تسمى قصر الصانع عليها نقش مؤرخ بشهر نيسان من السنة الـ 17 من حكم الحارثة الرابع ملك الأنباط، أما الصخرة الشرقية فتضم ست مقابر بسيطة في نحتها وليس لها واجهات. ومجموعة مقابر المنطقة، بحسب المرشد السياحي فايز الجهني، وجد من خلال الآثار والنقوش في مدائح صالح أن الأنباط كانوا يبنون المدافن أو المقابر بناء على مكانة الشخص الاجتماعية وقدرته المادية، حيث تنوعت المدافن بين منيعة في أعلى الجبال ومزخرفة ومنحوتة بشكل فني بديع، وأخرى في أسفل الوادي على صخور صغيرة خلت من النقوش أو الزخارف. وتقع المقابر جنوب المنطقة السكنية وتتكون من كتلتين صخريتين الأولى تضم 18 مقبرة تحمل واجهاتها عناصر زخرفية متنوعة، والثانية مقبرة واحدة. ومن أشهرها قصر الفريد وتقع هذه المقبرة في الجهة الجنوبية الشرقية من الموقع، وسميت بالفريد لانفرادها بصخرة ضخمة مستقلة، ولاحتوائها على عنصر معماري لا يتوافر في غيرها من المقابر، عبارة عن عمودين إضافيين وسط الواجهة، وهذه المقبرة هي أشهر مقابر مدائن صالح. ومجموعة مقابر قصر البنت، تقع إلى الغرب من جبل إثلب، وتتكون من صخرتين، إحداهما ضخمة تمتد بشكل طولي من الشمال إلى الجنوب، وتضم 29 مقبرة، أما الصخرة الأخرى فتقع إلى الشمال الغربي من الصخرة الأولى، وتضم مقبرتين في جهتها الشرقية. وجبل إثلب عبارة عن سلسلتين من القمم الصخرية تمتدان بشكل طولي في الجهة الشمالية الشرقية من الموقع، وكان لهذا الجبل أهمية بالغة لدى الأنباط، حيث اتخذوه مركزاً دينياً، وفي جبل إثلب منطقة الديوان وعدد من المحاريب في مواقع متفرقة من الجبل. ومجموعة مقابر جبل المحجر، تقع شمال غربي مجموعة قصر البنت، وتتوزع على ثلاثة جبال، أحدهما جبل المحجر، ويضم 14 مقبرة، إضافة إلى البئر النبطية التي نحتت في الصخر. ومجموعة مقابر الخريمات، تقع منطقة الخريمات إلى الغرب من سكة حديد الحجاز، في وسط الموقع، وتتميز بكثرة واجهات المقابر فيها، إذ بلغ عددها 53 مقبرة، موزعة على مجموعة من الكتل الصخرية، كما تتميز بتنوع واجهات المقابر وتعدد العناصر الزخرفية فيها. وبحسب المرشد السياحي الجهني، يتم نحت المقابر بزاوية 45 درجة ليسهل عملية النحت والتشكيل، وأقل وقت تستغرقه عملية حفر ونحت مقبرة عادية تصل إلى سنة وشهرين، وبناء عليه فإن بناء 100 مقبرة استغرق نحو 70 سنة تقريباً. ويشير الجهني إلى أن المنطقة السكنية تقع في السهل الذي يتوسط الموقع ويحيط بها سور لا تزال آثاره باقية في الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، وتم التعرف على حدودها من خلال الأعمال الميدانية التي نفذت في الموقع، كما كشفت هذه الأعمال عن أساسات بعض البيوت، وأحيطت المنطقة بسياج حديدي لمنع دخول العامة. حالياً حيث تعمل الهيئة العامة للسياحة والآثار على مشروع موسع للكشف عن تفاصيل أكثر عن المنطقة السكنية. ووفقاً للجهني وجدت نحو 150 جثة في المنطقة السكنية في الاكتشافات الأخيرة، منها جثة متكاملة لإمرأة حيث وجد الشعر والجسم كاملاً. وتنوعت أشكال المقابر التي وجدت في الحجر "مدائن صالح" بين المقابر ذات الواجهات الفخمة المنحوتة داخل الصخر وبها عدد من المدافن موزعة على جدرانها وأرضياتها، والمدافن المنحوتة على شكل حفرة مستطيلة توضع فيها الجثة ثم تغطى بألواح حجرية، وهذا التنوع في أشكال المقابر يعود إلى الوضع الاقتصادي والاجتماعي لصاحب المقبرة. وعادة ما تكون المقابر النبطية عائلية تخص الأسرة بأكملها، ومن يليهم من أبنائهم. وقد أفادت النقوش التي دونت على واجهات المقابر بمعلومات عن طقوس الدفن عند الأنباط، حيث حددت ملكية المقبرة والأشخاص الذين يحق لهم الدفن فيها، والمكان الذي يمكن أن يدفنوا فيه والغرامات واللعنات التي يمكن أن تلحق بمن يخالف ما جاء في هذه النصوص. وتمر عملية نحت المقبرة بعدد من الخطوات تبدأ باختيار المكان المناسب لنحث المقبرة من حيث نوع الصخر وجودته، ثم يعمل النحات تجويفاً في أعلى الجبل إلى أن يصل إلى العمق المطلوب، ثم يبدأ بنحت تفاصيل واجهة المقبرة بدءاً من أعلى، ويتدرج بالنحت إلى أسفل الجبل، ثم ينحت تجويف المقبرة من الداخل والمدافن التي تشتمل عليها. ومن ضمن المعالم قبر رقوش الذي يعود لشخص بناه لأمه عام 267، واستخدم أسلوب الأنباط نفسه من أجل تكريمها وتمييزها عن القبور الأخرى من شدة حبه لها. واشتهر الأنباط بمهارتهم في هندسة المياه، ونظم تجميعها وتخزينها، وقد وجدت في الحجر أكثر من 150 بئراً نبطية، بعضها محفورة في الصخر، وبعضها مطوية بالحجارة بعمق يزيد على 30 متراً، كما وجدت في الموقع خزانات لتجميع مياه الأمطار عبر قنوات تم حفرها لهذا الغرض، وهذه الخزانات كانت تغلق لاستخدامها عند الضرورة.

مشاركة :