انتهاء ثورة "الإرهابيين" بقلم: أحمد أبو دوح

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فصائل المعارضة لم تعد الوسيلة المثلى لتحقيق حلم التخلص من النظام لدى شباب الحارة العاديين الذين بدأوا يدركون أن البحث عن وسيلة أخرى لمعارضته هو الحل الأسلم. العربأحمد أبو دوح [نُشرفي2016/12/16، العدد: 10487، ص(7)] زخم المعارضة السورية وصل إلى نهايته. المراهق الذي يسكن الآن في حارة بإحدى ضواحي حمص أو درعا لم تعد تبهره القصص الآتية عن بطولات المقاتلين في مواجهة دبابة النظام أو طائرة الروس. خسارة حلب وضعت حدا للمشروع بأكمله. سوريا عاشت هذه الأيام الحاسمة من قبل لكن بطريقة معكوسة. زخم الثورة الذي يتبدّد تدريجيا كان في يوم من الأيام في ذروته عندما كان نظام الرئيس بشار الأسد على وشك السقوط. عندما امتنع الغرب عن التدخل في سوريا بعد ضرب غوطة دمشق بالسلاح الكيميائي في العام 2013، كان القتال في صفوف المعارضة شرفا يسعى إليه الأطفال والشيوخ ضد هذا النظام الدموي. اليوم لم تعد فصائل المعارضة هي الوسيلة المثلى لتحقيق حلم التخلص من النظام لدى شباب الحارة العاديين في أي من المدن السورية، الذين بدأوا يدركون أن البحث عن وسيلة أخرى لمعارضته هو الحل الأسلم. التحالف مع متشددين إسلاميين لا يقلون دموية عن الأسد كان السبب الرئيسي وراء تراجع زخم الثورة. منذ اللحظة التي انضم فيها مقاتلون من شتى بقاع الأرض إلى متأسلمين من أولاد البلد، صارت “الشرعية المدنية” التي منحها أغلب السوريين لهذه الفصائل منتهية الصلاحية. تجوّل الشباب ذوي اللحى الكثة والجلابيب القصيرة بلغتهم العربية المقعّرة، رافعين شعارات دينية في شوارع كل بلدة يتم تحريرها من قبضة النظام، كان يدفع السوريين إلى إعادة النظر في القضية برمتها. لا أحد يريد أن يتخلص من دكتاتور كبير كي يستبدله بالمئات من الدكتاتوريين الصغار. الأهالي كانوا يعرفون أن هذا نظام لن يقترب من أي أحد طالما أنه ظل مبتعدا عن السياسة ولا يشكل أي خطر يذكر عليه. قواعد النظام الجديد قصة مختلفة تماما. الابتعاد عن الكلام في السياسة لا يعني بالنسبة إلى ضابط الحسبة المعين من قبل المتشددين في المناطق “المحررة” أي شيء. صار هناك من يجبر المسلمين غير المتديّنين على أداء الصلاة في أوقاتها وتجنب المشروبات الحكولية وتطبيق أحكام الشريعة بفلسفتها المتشددة على كل جوانب حياتهم اليومية. المرأة تحولت إلى نصف إنسان وصارت تعامل على هذا الأساس. صار ارتداء النقاب أو في أحسن الأحوال الخمار أو الحجاب، إجباريا على كل من يعشن هناك. في هذه المناطق التشدد أحد الأركان الأساسية للحياة. التعليم والبيع والشراء والزي والعبادة والزواج والطلاق تخضع كلها لرقيب شرعي. معايير الشرطة والقضاء والمسؤولين عن توفير الاحتياجات الأساسية من طعام ومسكن ومؤن يومية ترتبط بسلوك الأشخاص ومدى استعدادهم للتجاوب مع القواعد الجديدة للجماعة أو التنظيم المسيطر على البلدة. اكتشف الكثيرون أنه في سبيل نضالهم للحصول على حرية واحدة أضاعوا أغلب الحريات الأخرى. الثورة لم يعد لها معنى في نفوس أكثر المضحين من أجلها. هذا الإحباط تسرّب سريعا إلى الداعمين لكل تنظيم على حدة. الضابط الجالس في مكتبه في أنقرة يعلم أنه لا يستطيع إمداد حركة أحرار الشام بأسلحة نوعية حاسمة لأن رؤساءه لم يعطوه الضوء الأخضر لفعل ذلك. هو يشاهد كل يوم الانتكاسات التي تتكبدها المعارضة، وقد يشعره ذلك بالألم، لكن تقديم الدعم لها لن يحقق مصالحه. الضابط الذي يجلس على الجانب الآخر من المنطقة يتمنى أن يمد جبهة النصرة بأكثر من الأموال، لكن قيادته في الدوحة لم تأذن له. رجل الأعمال المتشدد الذي يملك المليارات في الكويت يذرف الدموع حسرة على انتكاسات داعش أو القاعدة أو غيرهما في سوريا وحتى في العراق، لكنه لا يستطيع فعل شيء. مع الوقت سيفقد كل هؤلاء الحماس لأن استثمارهم في الفصائل المعارضة، المتشددة والمعتدلة منها، لم يحقق أي عوائد تذكر بالنسبة إليهم. القادة والسياسيون الكبار في الدول الداعمة للمعارضة يتصرفون بنفس الطريقة لكن على مستوى مسؤوليات أكبر. الزخم الصغير من سكان الحي في إحدى بلدات المعارضة، وبين الضباط ورجال الأعمال المشرفين على تقديم الدعم للتنظيمات المقاتلة، هو نفسه الزخم على مستوى الدول. صعود روسيا وتراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط جعل فكرة الإطاحة بالأسد لا فائدة منها. الأوروبيون والأميركيون لا يشعرون بأي ضرورة لرحيله الآن. من أوصلهم إلى هذه القناعة؟ المتشددون مرة أخرى. اليوم بعد استعادة حلب لم يعد أمام النظام أي قوة يخشى منها. ترحيل المقاتلين إلى إدلب لا يعني بالضرورة سياسة لتجميع المتشددين في مكان واحد تمهيدا لسحقهم. هذه المحافظة ستبقى كي يعيد الأسد تذكير العالم طوال الوقت بأنه يحارب “إرهابيين”. الأولوية الملحّة الآن بالنسبة إلى الأسد والروس والإيرانيين هي التخلص مما تبقى من المعارضة في حمص ودرعا وريف دمشق. كيف سيحدث هذا (بالعنف أو بالمفاوضات) لا يهم كثيرا. ما يفهمه الأسد هو أن الجميع صار منهكا وأن استعادة هذه المناطق باتت اليوم أسهل بكثير. انتهاء معركة حلب لا يعني انتهاء القتال، لكنه انتهاء للحرب بأكملها في نفوس الجميع. بعدما صار الهدف الرئيسي الذي اندلعت من أجله الثورة سرابا، فإن المرحلة المقبلة التي سيقبلها العالم، هي تبدّد إرث المعارضة التي كانت يوما تشكل تهديدا للأسد، وميلاد مرحلة “الدولة المركزية التي تحارب الإرهاب”. كاتب مصري مقيم في لندن أحمد أبو دوح :: مقالات أخرى لـ أحمد أبو دوح انتهاء ثورة الإرهابيين, 2016/12/16 تفجير الكنيسة البطرسية.. أزمة الدولة مع المفاهيم, 2016/12/13 العرب أمام حتمية مراجعة التحالف مع أميركا, 2016/12/10 مصر والسعودية: تقارب مفيد أكثر منه تحالف, 2016/10/18 حلب تطلق حربا باردة جديدة بين موسكو والغرب, 2016/10/10 أرشيف الكاتب

مشاركة :