من المتغيرات الدولية العاصفة ما تشهده بؤر التوتر في العالم لا سيما منها ساحات القتال العربية في سوريا والعراق وليبيا من انقلابات ستؤثر حتما في الوضع التونسي الهش. العربمصطفى القلعي [نُشرفي2016/12/16، العدد: 10487، ص(9)] يشهد العالم متغيرات سريعة سواء في الـدول الديمقراطية أو في بؤر التوتر. وليست تونس في معزل عن هذه المتغيرات التي تلامسها بشكل مباشر، ففي الدول الصديقة لتونس تحولات كلية نتجت بفعل صناديق الاقتراع مثل الولايات المتحدة وإيطاليا وفرنسا. وفي بؤر التوتّر، حيث يتواجد عدد كبير من أشرس الإرهابيين القادمين من تونس، تقع تحولات إستراتيجية جذرية قلبت موازين القوى العسكرية كما يحدث في الواقع السوري والليبي والعراقي. فما هو موقع تونس في هذا الوضع الدولي المتغيّر؟ وكان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي قد سئل مثل هذا السؤال، فأجاب حول العلاقة بالولايات المتحدة بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة إن تونس ستنتظر وستتفاعل مع السياسة الأميركية تجاهها، مذكرا بعراقة العلاقات التونسية الأميركية التي تعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. ولكن السبسي لم يتحدث عن اتفاقيات الشـراكة لا سيما العسكريـة منها التي عقدتها تونس بشكل منفرد مع الولايات المتحدة، وهو ما أثار ولا يزال حفيظة الجزائر التي لم تطمئنها رسائل التوضيح المتكـررة التي حملهـا إليهـا مبعـوثو السبسي بمن فيهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد. وستكون هذه الاتفاقية الغامضة النقطة الأبرز في جدول أعمال الزيارة التي يؤديها الرئيس التونسي إلى الجزائر هذه الأيام. فرنسا أيضا قد تشهد تحولات يَعدُ بها مرشح اليمين للرئاسية رئيس الحكومة الأسبق فرنسوا فيون أمام تشتت اليسار الفرنسي وعدم إجماعه على مرشح قوي قادر على منافسة فيون. وقد يكون الاشتراكي مانوال فالز وتلميذ فرانسوا هولاند أبرز مرشح لليسار، ولكنه قد لا يكون ندا لفيون لا سيما أمام الضربات الإرهابية القوية التي تلقتها فرنسا في عهد هولاند المنسحب من السباق الرئاسي. طبعا فيون يعـد بإجراءات ضـد المهـاجرين لا سيما المسلمين. وهو لا يخفي ميله لتدعيم الغزل المتبادل بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب والمتعلق بتقارب المواقف من الإسلام السياسي. وفرنسا هي الحليف الاقتصادي الأول لتونس وفيها يقيم حوالي 650 ألف مهاجر تونسي. وإذا وضعنا في الاعتبار أن عماد النظام القائم في تونس هو حركة النهضة الإخوانية، وهذا تأكد أثناء مناقشة قانون المالية لسنة 2017 منذ أيام، فإن هذه التحولات قد تمس بهذا الواقع السياسي التونسي، لا سيما أمام التهاوي النهائي لحزب الرئيس السبسي، إذ لو فاز اليمين في فرنسا وعاد اليمين إلى إيطاليا بعد فشل اليسار، فقد تتغير العلاقة مع تونس بهذا الحجم الذي يمثله الإسلام السياسي فيها. هذه التحولات السياسية الدولية هي التي دفعت مجموعة من الأحزاب والشخصيات الممضية على اتفاق قرطاج بما فيها شقّ الإنقاذ من حزب نداء تونس الحاكم، وحركة مشروع تونس المنشقة عن نداء تونس، وحزب الاتحاد الوطني الحر الذي شارك في حكومتي الحبيب الصيد، إلى التواصل والتباحث من أجل تشكيل ما سموه جبهة جمهورية مفتوحة لإحداث التوازن المفقود في البلد. وهو نفس المبرر الذي أسس على أساسه الرئيس السبسي، حزب نداء تونس، الذي فاز به بالانتخابات التشريعية والرئاسية. وهذا يعني أن التحالف الحاكم المبني على اتفاق قرطاج تلقى ضربتين قويتين؛ الأولى تمثلت في الخلاف الاعتباطي وغير المحسوب الذي اصطنعته الحكومة مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول القرار الغريب المتعلق بتأجيل صرف الزيادات في أجور الشغالين للضغط على كتلة الأجور، والثانية بتخلي أحزاب الموالاة عن الحكومة وإعلان أحدها، وهو الاتحاد الوطني الحر، عن قراره التموقع في المعارضة. والنتيجة ظهرت بسرعة، فحكومة يوسف الشاهد التي نالت الثقـة بأغلبية ساحقة بـ167 صوتا نجحت بالإسعاف في أول اختبار لها، إذ لم يمر قانون المالية الذي أعدته وقدمته للبرلمان إلا بـ122 صوتا. وهذا يعني حسابيا أن الائتلاف الحاكم فقد 55 صوتا. وربما تتزايد خساراته ليفقد أغلبيته البرلمانية في الأيام القادمة ويعجز عن تمرير مشاريع القوانين القادمة، خاصة أن من بين المساهمين في المشاورات حول الجبهة الجمهورية يوجد شق من نداء تونس كما ذكرنا والذي تنتمي إليه مجموعة من النواب. هنا يتبين حجم الأخطاء التي ارتكبها الشاهد أثناء تشكيل حكومته بإشراك أحزاب غير ممثلة في البرلمان مثل حزب المسار، أو أحزاب لا تتجاوز النائب الواحد مثل الحزب الجمهوري وحزب التحالف الديمقراطي، أو شخصيات غير متحزبة أصلا وليس لها نواب يدافعون عنها في مجلس نواب الشعب. من المتغيرات الدولية العاصفة ما تشهده بؤر التوتر في العالم لا سيما منها ساحات القتـال العربية في سـوريا والعراق وليبيا من انقلابات ستؤثر حتما في الوضع التونسي الهش. فعدد الإرهابيين التونسيين المقاتلين في هذه البؤر غير محصور بدقة. وتتراوح تقديراته بين 3 آلاف وخمسة عشر ألفا. وكان الرئيس السبسي قد تسرع بإعلانه قبول عودة هؤلاء دون إيداعهم السجون بدعوى أنها لا تسعهم، وربما كانت عينه على حلفائه ممثلي الإسلام السياسي في الدولة التونسية ونعني إخوان النهضة لاسترضائهم وهو يدلي بموقفه هذا في اللحظات الأخيرة قبل التصويت على قانون المالية 2017. وهذا مـا أثـار سخط الرأي العـام التونسي والأحزاب والمنظمات الاجتماعية والحقوقية والديمقراطية والثقافية. وتهاطلت البيانات الرافضة لهذا الموقف غير المحسوب والذي يتساهل مع أمن تونس، وكان أقواها بيان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي طالب بمحاكمة هؤلاء الإرهابيين في الدول التي مارسوا فيها القتل والإرهاب، وبالكشف عن جمعيات التجنيد وعن كل من يقف وراءها ومحاسبته ومحاكمته والقصاص منه. رد الفعل الغاضب هذا حدا برئاسة الجمهورية إلى التراجع وإصدار بيان توضيحي يـؤكد أن الفصل الـ25 مـن الـدستور التونسي يحجر سحب الجنسية من أي مواطن تونسي وليست فيه استثناءات. ولكنه كان بيانا ضعيفا مبنيا على حجج واهية باعتبار أن الفصل الـ25 موجه للمواطنين لا للإرهابيين الذين لا يؤمنون بالمواطنة ولا بالدولة المدنية ولا بالقانون الوضعي ولا بالقيم الاجتماعية والديمقراطية. وعليه يجب أن يعـاملوا بقانون الإرهاب لا بالدستور المعمّد بدماء شهداء اغتالتهم أيادي الإرهاب التكفيري الغادرة التي تجول في أراض أجنبية توزع الموت والخراب. كاتب ومحلل سياسي تونسي مصطفى القلعي :: مقالات أخرى لـ مصطفى القلعي تونس في الوضع الدولي المتغير, 2016/12/16 تونس: زمن الاختبارات العسيرة , 2016/12/09 الحكومة التونسية واتحاد الشغل: مآلات الشتاء, 2016/12/02 حزب النداء: أزمة تونس ومسؤولية السبسي, 2016/11/25 القضاء والتوافق الواهي بين نداء تونس والنهضة, 2016/11/18 أرشيف الكاتب
مشاركة :