اليسار والدين في تونس: متهم حتى تثبت براءته بقلم: مصطفى القلعي

  • 1/27/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

المسألة الدينية مسألة مستقرة في تونس، ولكن الإسلاميين بسبب إفلاسهم وفشلهم في الحكم وافتقارهم لبدائل حقيقية، يصرون في كل مرة على إغراق الساحة السياسية في هذه النقاشات العبثية. العربمصطفى القلعي [نُشرفي2017/01/27، العدد: 10525، ص(8)] مشكلة اليسار والدين مشكلة موهومة في تونس. يجد اليسار نفسه مجبرا من قبل خصومه على الخوض فيها. ويتهم الإسلام السياسي، بمختلف تياراته، اليسار عموما بمعاداة الدين في الوقت الذي لا يخصص فيه اليسار أي جزء من برامجه وأدبياته السياسية للمسألة الدينية. وفيما يرى الإسلاميون الدين مسألة هوويّة ووطنية أساسية، يعتبره اليسار مسألة شخصية جعلها دستور 2014 من متعلقات الضمير، وهي لا تشكل عائقا أمام التنمية والعدالة الاجتماعية التي يطالب بها الشعب التونسي. كما أن الدولة ترعى الدين بشكل كامل وتخصص له وزارة في كل الحكومات. ولم تعرف تونس طيلة تاريخها القديم والحديث مشكلة دينية تتعلق بحروب أو نزاعات دينية أو عرقية. فالشعب التونسي متصالح مع الدين. فلا داعي لخلق هذه المشكلة اليوم، اللهمّ إلا إذا كانت رغبة الإسلاميين في إغراق الخصوم في دوامة لا مخرج منها بحثا عن الانتصار السياسي. ورغم محاولات السلفيين والمتشددين إبان الثورة سنوات 2011 و2012 و2013 زعزعة هذا الاستقرار من خلال استفزاز بعض المسيحيين أو اليهود، والاعتداء على بعض الزوايا والمقامات، فإن الشعب التونسي كان متفطنا لهذه المحاولات البائسة ووقى نفسه من أي انجرار إلى العنف الديني. في الإطار نفسه حاول بعض السياسيين من أصحاب الرؤى الضيقة والبصر الكسيح اللعب على تحريك نزعات طائفية ميّتة وغير موجودة في تونس، لا سيما بين السنة والشيعة بحثا عن الإثارة ولفت انتباه الرأي العام بعد أن أفلسوا في المستوى السياسي. ولكنهم لم ينجحوا في ذلك ولم تشهد تونس أي اهتمام بهذا الموضوع. بالعودة إلى موضوعنا الأساسي والمتعلق بعمل الإسلاميين دون غيرهم وبإصرار على اتهام اليسار بمعاداة الدين، فإن دعواهم فاقدة لأي سند تاريخي أو اجتماعي أو ثقافي أو سياسي باعتبار أن هذه التهمة من النوع الذي يجعل المتهم متهما حتى تثبت براءته دون إثباتات ولا حجج، وإنما هي الديماغوجية الإخوانية وطريقة من طرق الممارسة السياسية بأدوات ليست منها وبأساليب غير نبيلة. وإنما هذه التهمة التي يجد اليسار نفسه غافلا عنها غفلة كبيرة تعدّ من أقوى الأسلحة الدعائية عند خصومه الإسلاميين. فهم يتركون الحديث في ما يهم الناس وما يشغلهم من قضايا اجتماعية واقتصادية وأمنية، ويثيرون في كل مرة تضيق فيها عليهم الدائرة موضوع الدين معتبرين أنفسهم حماتهم محتكرين حق التكلم باسمه نافين حتى دور الدولة ومسؤوليتها في ذلك. المسألة الدينية في تونس مسألة عاطفية شفافة وتحريكها في مناسبات سياسية كالانتخابات يعتبر عملا لا أخلاقيا، وهو ما دأب عليه الإسلاميون الذين يستعملون سلاح التكفير أو معاداة الدين لتحريض المواطنين على اليساريين وتشويههم والتخويف من انتخابهم. وقد نجح الإسلاميون في تونس في إثارة تعاطف التونسيين في المناسبتين الانتخابيتين اللتين عرفتهما تونس بعد الثورة. فلا شيء يفسر فوز حركة النهضة الإخوانية بـ69 مقعدا في مجلس نواب الشعب في انتخابات 2014، رغم فشلها الذريع في تجربتها في الحكم أثناء حكم الترويكا إثر انتخابات 2011 والأزمة الخانقة التي تركت فيها تونس على كل الأصعدة. حصلت حركة النهضة الإسلامية في تشريعية 2014 على المرتبة الثانية من حيث عدد المقاعد بعد نداء تونس، وكان ذلك بفضل اللعب على المسألة الدينية بذلك الأسلوب العاطفي، أي بترسيخ فكرة لدى المواطنين مفادها أن الدين سيكون في خطر إذا لم يتم انتخاب النهضويين ولا شيء آخر، إذ لم يكن للنهضة برنامج اقتصادي ولا اجتماعي واضح لا سيما بعد تهاوي وعودها بالتشغيل والتنمية والشراكة مع حلفائها الأجانب في تجربة الترويكا. يتهم الإسلاميون اليساريين بالمشاركة في إدارة الدولة منذ الاستقلال رغم أنه لا يوجد سند تاريخي لهذا الادعاء، إذ عندما يوظَّف وزير يساري بصفته وشخصه في حكومة لا يعني ذلك أن حزبا يساريا ببرامجه واختياراته وبدائله يشارك في الحكم. ويتهمون هذه الدولة بالعلمنة والتغريب والابتعاد عن الدين. غير أنّ هذه الدولة المتهمة من قبل الإسلاميين يعرف عدد المساجد والجوامع فيها تزايدا مستمرا، ولم يعرف إنشاؤها توقفا أبدا حتى بلغ اليوم ما يقرب من 6 آلاف مسجد وجامع دون أن يعرف هذا الرقم أي ارتفاع عند قيادة النهضة لحكم الترويكا. ولئن خصصت الدولة الحديثة في تونس منذ الاستقلال الجوامع والمساجد للتعبد والصلاة وإحياء المناسبات الدينية، فإنها عند حكم الإسلاميين زمن الترويكا تحولت إلى ساحات للانفلات والتحريض ومقرات للتجنيد والتعبئة لشباب تونس وإرسالهم للموت في غير أرض، ودور لا تحصى للفتاوى المتعارضة المنفلتة. ومن المساجد وفيها وقع التحريض على دماء المناضلين والمعارضين السياسيين. وفيها اجتمع القتلة الإرهابيون وخططوا وانطلقوا لسفك دماء شهداء تونس لا سيما الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي بفضل ذلك المناخ المتاح المهيّأ للاستيلاء على المساجد أثناء حكم الترويكا بدعم من حركة النهضة زعيمة الإسلاميين في تونس، كما هو مثبت في المحادثة السرية التي تم تسريبها بين رئيس حركة النهضة والقيادات السلفية سنة 2012. كما أن هذه الدولة المتهمة أمس والتي لم يشاركها اليساريون أبدا خياراتها الاقتصادية والاجتماعية منذ الاستقلال وكانوا معها على خلاف وفي تصادم معروف منذ قصة جماعة “برسبكتيف” والعامل التونسي وحزب العمال، الذين لاقوا جميعا التتبع والتنكيل والتعذيب والسجون والحرمان من الحقوق، يشاركها الإسلاميون اليوم خياراتها وإدارتها للحكم بنفس الرؤية ونفس الطريقة في الإدارة ونفس العلاقات الخارجية. مشكلة اليسار والدين الموهومة ورقة سياسية انتخابية لدى الإسلاميين ولا أساس لها على أرض الواقع. وهم يغيرون استعمالها من ساحة إلى أخرى، فمرة يرفعونها في وسائل الإعلام ومرة أخرى في البرلمان. ولكن ساحتهم الأثيرة لرفعها هي المساجد في ممارسة لا أخلاقية. فهم بذلك يخرجون دار العبادة من الدور الموكول لها شرعا، ويجبرونها على أداء دور سياسي لفائدتهم في توظيف سافر يتيح لهم الفوز في سباق سياسي انتخابي لا متكافئ باعتبار أن الإسلاميين يستعملون كل الساحات مع اليساريين، بينما اليساريون لا يستعملون مع الإسلاميين أهم ساحات عندهم وهي المساجد. المسألة الدينية مسألة مستقرة وآمنة في تونس. ولكنّ الإسلاميين بسبب إفلاسهم وفشلهم في تجربة الحكم وافتقارهم لبدائل حقيقية لأزمة الشعب التونسي، يصرون في كل مرة على إغراق الساحة السياسية في هذه النقاشات العبثية التي تعطل تقدم تونس، وتحيد بالشعب عن قضاياه ومطالبه وشعاراته وتهدد أمنه واستقراره ووحدته الوطنية. كاتب ومحلل سياسي تونسي مصطفى القلعي :: مقالات أخرى لـ مصطفى القلعي اليسار والدين في تونس: متهم حتى تثبت براءته, 2017/01/27 ثلاث محن للحكومات التونسية المتعاقبة , 2017/01/20 اليساريون والإسلاميون في تونس: المسارات المتعارضة, 2017/01/13 من يتعمد تعطيل المجلس الأعلى للقضاء في تونس, 2017/01/06 تونس سنة 2017: الآمال والمخاطر, 2016/12/30 أرشيف الكاتب

مشاركة :