موسكو/اسطنبول - قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة إنه يعمل عن كثب مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان سعيا لبدء سلسلة جديدة من محادثات السلام السورية بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار على مستوى البلاد دون مشاركة الولايات المتحدة ولا الأمم المتحدة. وقال بوتين خلال مؤتمر صحفي في اليابان إن المحادثات الجديدة إذا عقدت فإنها ستجري في أستانة عاصمة قازاخستان وستكون مكملة للمفاوضات التي تنعقد من حين لآخر في جنيف بوساطة الأمم المتحدة. وأضاف للصحفيين "الخطوة التالية هي التوصل لاتفاق بشأن وقف شامل لإطلاق النار في كامل أنحاء سوريا. نجري مفاوضات بناءة جدا مع ممثلين للمعارضة المسلحة بوساطة تركيا." وأكد أنه اتفق مع إردوغان على أن يقترحا على الحكومة والمعارضة السورية عقد الجولة الجديدة من المحادثات في مكان جديد. وقال "يمكن أن يكون المكان الجديد أستانة." وتلقي الخطوة المفاجئة الضوء على تزايد قوة التقارب الروسي - التركي بعد خلاف العام الماضي بشأن إسقاط تركيا مقاتلة روسية ويعكس رغبة روسيا في تعزيز نفوذها المتزايد في الشرق الأوسط على نطاق أوسع. كما يظهر الاقتراح أيضا أن روسيا ضاقت ذرعا بما تعتبره محادثات مطولة وعديمة الجدوى مع إدارة أوباما بشأن سوريا. وفي وقت سابق هذا الأسبوع وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تلك المحادثات بأنها "عديمة الفائدة". وقال إن أنقرة قد تثبت أنها شريك أكثر فاعلية فيما يتعلق بسوريا. وتركيا التي ترغب أيضا في تعزيز نفوذها العالمي تشعر أيضا بإحباط عميق من السياسة الأميركية في سوريا خاصة دعم واشنطن لمقاتلين أكراد تعتبرهم قوات معادية لها ومما تعتبره فشلا من باراك أوباما في توفير دعم كاف لمقاتلي المعارضة. وقلل بوتين من شأن الفكرة التي تقول إن عقد مثل تلك المحادثات سيهمش أو يطغى على محادثات تعقد بوساطة الأمم المتحدة في جنيف من وقت لآخر. وقال "إذا حدث ذلك فإنه لن ينافس محادثات جنيف، لكنه سيكون مكملا لها. من وجهة نظري أيا كان المكان الذي تجتمع فيه الأطراف المتصارعة فإن التصرف الصحيح هو محاولة التوصل إلى حل سياسي." وليس من المرجح أن يقبل مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا المبادرة. وقال للصحفيين في باريس الخميس إن الوقت حان لعودة كل الأطراف لطاولة التفاوض لكن على الأمم المتحدة أن تكون وسيطا في أي محادثات لتكون مشروعة. كما يهدف الاقتراح الروسي على الأرجح لتحييد الأمم المتحدة والولايات المتحدة عن ملف الصراع السوري وبالتالي فإن موسكو تسعى في المقابل إلى تحييد أطراف أخرى تلتقي مع واشنطن في دعم المعارضة. ويعني ذلك في حال نجحت موسكو وبدعم من تركيا في جمع المعارضة السورية وممثلي دمشق على طاولة واحدة، فتح مسار تفاوضي جديد يقلل من تأثير داعمي المعارضة السورية. وتطالب روسيا منذ فترة الولايات المتحدة للضغط على فصائل المعارضة السورية للانفصال عن جماعات اسلامية مسلحة تقتال معها ضمن تحالفات فرضتها التطورات الميدانية. وكانت موسكو قد حذرت المعارضة من أنها ستكون هدفا مشروعا طالما لم تنفصل عن الجماعات الاسلامية المسلحة التي تصفها بـ"الارهابية". وفي المقابل تصنف الحكومة السورية كل معارضي النظام بأنهم ارهابيون. شريكان مختلفان ومازالت روسيا تأمل في التعاون مع الولايات المتحدة بشأن سوريا وتوحيد الصف مع واشنطن ضد تنظيم الدولة الإسلامية بمجرد تولي الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب منصبه. لكن ترامب لن يتولى السلطة قبل العشرين من يناير/كانون الثاني 2017 مما يترك فراغا في السلطة ومن المرجح أيضا أنه سيحتاج لبعض الوقت على أي حال للتوصل إلى صيغة في السياسة الخارجية. لكنه أبدى خلال حملته الانتخابية مواقف مثيرة للجدل منها اعجابه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورغبته في التعامل معه. وهذا طبعا قد ينسحب لاحقا على النظام السوري بدرجة أقل في ظل التحالف القائم بين دمشق وموسكو. والتحالف بين موسكو وأنقرة للوهلة الأولى يبدو غريبا، فروسيا أحد أقرب حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد في حين تريد تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، الإطاحة به. لكن أنقرة قد تكون مستعدة لقبول فترة انتقالية يشارك فيها الأسد شريطة أن يتخلى عن السلطة في النهاية. والأولوية الأساسية لتركيا التي سترغب على الأقل في موافقة روسيا الضمنية عليها هي ضمان عدم تمكن المقاتلين الأكراد من السيطرة على المزيد من المناطق في سوريا بمحاذاة حدودها. وتوغلت القوات التركية في سوريا في عملية أطلقت عليها "درع الفرات" في أغسطس/آب لطرد الدولة الإسلامية من المنطقة المحاذية لحدودها مع سوريا والممتدة على طول نحو 90 كيلومترا ولمنع المسلحين الأكراد من السيطرة على المناطق التي تخسرها الدولة الإسلامية. وقبل أسبوعين اعترف نائب رئيس الوزراء التركي نورالدين جانيكلي بأن تركيا "لم تكن لتتحرك بتلك الأريحية" دون التقارب مع روسيا التي تسيطر فعليا على أجزاء من المجال الجوي في شمال سوريا. وتريد تركيا حاليا من مقاتلي المعارضة الذين تدعمهم التحرك جنوبا للسيطرة على مدينة الباب الخاضعة لسيطرة الدولة الإسلامية والتي تبعد 40 كيلومترا إلى الشمال الشرقي من حلب. ويبدو إردوغان مصمما على سيطرة المقاتلين المدعومين من تركيا على المدينة لمنع المسلحين الأكراد من الاستيلاء عليها، لكن مثل هذا الطموح قد يتسبب في مشكلات مع موسكو لأن الباب تقع على مقربة من جبهات القتال الأمامية لحلفاء الأسد. اتفاق حلب وعبر بوتين عن ترحيبه بآفاق تعميق التعاون مع تركيا وقال إن إجلاء مقاتلي المعارضة وأسرهم مؤخرا من حلب جرى بالاتفاق بينه وبين إردوغان. كما عبر عن أمله في أن يتمكن الجيش السوري الآن من تعزيز موقفه هناك وأن تعود الحياة إلى طبيعتها بالنسبة للمدنيين. ونقلت وكالة الإعلام الروسية هذا الأسبوع عن أندريه كيلين وهو مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية قوله إن التعامل مع تركيا بشأن حلب كان أسهل من التعامل مع الولايات المتحدة. وقال وقتها "عملية التوصل لاتفاقات تسير بشكل أكثر وضوحا بكثير مع تركيا منها مع الأميركيين." وهون بوتين من شأن فقد الحكومة السورية لمدينة تدمر التي استولى عليها تنظيم الدولة الإسلامية وأنحى باللائمة في ذلك على ضعف التنسيق بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والسلطات السورية وروسيا في حدوث هذه الانتكاسة. وقال بوتين "كل ما يحدث في تدمر هو نتيجة التحرك بدون تنسيق. قلت مرات عديدة إن علينا أن نوحد الجهود من أجل الكفاءة في المعركة ضد الإرهاب." وأضاف "مسألة تدمر رمزية بحتة. حلب أكثر أهمية بكثير من وجهة النظر العسكرية والسياسية.
مشاركة :