جنيف - أسفر تعنت النظام السوري ورفضه الشروع في مفاوضات جادة مع المعارضة إلى دخول مسار مفاوضات جنيف التي بدأت بالعام 2012، في نفق مظلم. وانتهت جولة جنيف8 الخميس دون تحقيق تقدم، فيما اتهم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا النظام بوضعه شروط مسبقة ما أفشل الجولة وتسبب في ضياع فرصة ذهبية للتقدم في المسار. وساهم التدخل العسكري الروسي في سوريا وعدم ممارسة الولايات المتحدة جهودا كافية لدفع هذا المسار إلى عدم حصول التقدم الذي ينشده السوريون في المفاوضات. وبدأ مسار جنيف قبل نحو 7 سنوات برعاية من الأمم المتحدة، في يونيو/حزيران 2012، وهو مستمر حتى الآن ومع بدء مسار استانا قبل نحو عام وحصول هدوء ميداني، عادت الأطراف في فبراير/شباط للقاء مجددا في جنيف. وخلال خمس مراحل من المفاوضات جرت على مدار هذا العام، ركز وفد النظام على موضوع الإرهاب الذي أضافه على أجندة المباحثات حيث لم تكون مدرجة في القرار الأممي 2254. وساهم الزج بمنصتي موسكو والقاهرة المقربة من مصر وروسيا التي تفتقد للقاعدة في المعارضة في مسار جنيف إلى تقوية ما يذهب النظام إليه بزعمه أنه لا يجد طرفا واحدا يفاوضه ويدافع عن هذه الفكرة في كل اجتماع. ولنزع هذه الحجة من يد النظام، عكفت المعارضة السورية على توحيد وفدها بالتفاوض مع منصتي القاهرة وموسكو في الرياض وتشكيل وفد موحد معهما قبيل جنيف8، ليأتوا إلى المفاوضات سوية. وعلى الرغم من جهد المعارضة، فإن جنيف8 التي استمرت 3 أسابيع على جولتين بدءا من 28 نوفمبر/تشرين الثاني وانتهت الخميس، لم تشهد خوض النظام للمفاوضات بشكل جدي. كما أن النظام عمل على إعاقة عمل الأمم المتحدة بإبقاء الوفود المتواجدة في جنيف من بعثات أجنبية وأممية لمدة خمسة أيام دون الحضور والمشاركة في المفاوضات خلال فترة ما بين جولتي جنيف8. واتهم رئيس وفد المعارضة نصر الحريري في مؤتمر صحفي الخميس النظام بمواصلة هجماته على الغوطة الشرقية أثناء المفاوضات في سعي لتخريب مسار جنيف وهو ما يعني عدم الحاجة لجولة جديدة من المفاوضات نظرا لسلوك وفد النظام. وإزاء ممارسات وفد النظام وسلوكه في جنيف8، فإن ذلك استدعي من المبعوث الأممي الخاص ستيفان دي ميستورا، اتهام النظام للمرة الأولى بعدم جديته وأنه مسؤول عن فشل المفاوضات. وأكد في المؤتمر الصحفي الختامي الخميس أنه في الوقت الذي قبلت فيه المعارضة مناقشة الانتقال السياسي والدستور والانتخابات ومكافحة الإرهاب والمبادئ12، إلا أن النظام اكتفى بمناقشة سلة واحدة وهي مكافحة الإرهاب. وشدد على أن الحجج التي أوردها وفد النظام "غير مقبولة وغير منطقية"، مذكرا بأقوال المبعوثين السابقين للأمم المتحدة إلى سوريا كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي. خطة عنان لم يطبقها النظام وفي 7 يونيو/حزيران من العام 2012، أعلن عنان بصفته المبعوث الأممي العربي الخاص إلى سوريا بأن خطته التي وضعها للمفاوضات رفض النظام تطبيقها، مناشد مجلس الأمن الضغط على دمشق للاستجابة وتطبيق خطته. ولفت عنان حينها إلى أن النظام هو المسؤول الأول على تصاعد حدة العنف في البلاد وانتهى به المطاف نتيجة تعنته نظام بشار الأسد إلى تقديم استقالته من مهمته في 2 أغسطس/اب 2012. ومع استقالة عنان، اسندت المهمة إلى الأخضر الإبراهيمي الذي استمر في عملية الوساطة الدولية لمدة 21 شهرا، إلى أن قدم استقالته في 13 مايو/ايار 2014. وقال الإبراهيمي حينها بعد عقد جولة من المفاوضات في 2014، إن النظام السوري رفض عرضا لتخفيض العنف وتشكيل حكومة انتقالية وأن موقفه دأب دائما في إحداث حالة شك بأنه "لا يقبل بتاتا الدخول في نقاش موضوع الحكومة الانتقالية" واعترف الإبراهيمي في لقاء صحفي في أكتوبر/تشرين الأول 2015 بأن "النظام شارك في المفاوضات بضغط روسي وأنه لم يكن يقول شيئا سوى اتهام المعارضة بالإرهاب". غياب أميركي وانحراف روسي بمسار المفاوضات وبدأ الدور الأميركي في المسألة السورية مع وصول دونالد ترامب في يناير/كانون الثاني إلى الرئاسة. وكانت ادارة سلفه الرئيس الديمقراطي باراك أوباما قد ركزت على تهديدات تنظيم الدولة الاسلامية ودعمت قوات سوريا الديمقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد عمودها الفقري في مواجهة التنظيم المتطرف. كما أن تهديد أوباما للنظام بالتعامل العسكري معه في حال استخدامه السلاح الكيمياوي وعدم تطبيقه ذلك شجع روسيا على انخراط أكبر في دعم النظام السوري. وتسبب فشل برنامج تدريب وتجهيز المعارضة السورية وانشغال الولايات المتحدة في نتيجة الانتخابات الأميركية، في تنامي الدور الروسي في سوريا على حساب الدور الأميركي. ورغم أن الولايات المتحدة نادت بسوريا من دون الأسد، إلا أنها كانت قلقة من أن يكون بديل الأسد هو الجماعات الاسلامية المتطرفة فاستفادت روسيا من هذا القلق، فتحولت أميركا من الطلب برحيل فوري للأسد إلى رحيله على المدى المتوسط. ورسم القرار الأممي 2254 في العام 2015، بتأثير روسي، عمرا للنظام ومنحه عامين وفق خارطة طريق رسمت المرحلة الانتقالية تتضمن تشكيل حكم انتقالي وإعداد دستور جديد وإجراء الانتخابات. ومع وصول ترامب للحكم بداية العام الحالي، لم يغير في الاستراتيجية الأميركية ولم يشعر أحد بالوجود الأميركي في خمس جولات هذا العام وفضل المبعوث الأميركي إلى سوريا مايكل راتني استمرار المسار بشكل ما على شكل لقاءات ثنائية. ونتيجة لذلك عملت روسيا على الاستفادة من دور مسار أستانا بمحاولة نقل مرحلة مفاوضات المرحلة الانتقالية السياسية إلى مدينة سوتشي الروسية، مما يخفض من مشاركة النظام في مسار جنيف إلى الحد الأدنى. مسار جنيف وبدأ التأسيس لمسار جنيف في يونيو/حزيران 2012، باجتماع أولي شاركت فيه الدول المعنية بالأزمة وصدر عنه بيان دعا إلى وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المعتقلين ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة وإدخال المساعدات، على أن يعقب ذلك تأسيس هيئة حكم انتقالي من أسماء مقبولة من النظام والمعارضة تكون كاملة الصلاحيات بمعنى أن لا يكون للأسد أي دور في السلطة. وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2015، على أن يتم تأسيس هيئة حكم انتقالي بعد محادثات بين النظام والمعارضة خلال ستة أشهر تقوم بكتابة دستور جديد في 12 شهرا ثم إجراء انتخابات. وفي ظل تباين مواقف الدول الداعمة للنظام والولايات المتحدة التي تطلق تصريحات متباينة، فإن مواقف تركيا هي احترام القرار 2254 والتشديد على أن "حكومة الوحدة الوطنية" التي يروج لها النظام وحلفاؤه لن تستطيع أن تحل مكان "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات". وتصر المعارضة على التطبيق الكامل للقرار الدولي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات. وعقدت محادثات جنيف الأولى في 30 يونيو/حزيران 2012 وجنيف 2 في 22 يناير/كانون الثاني 2014 وانتهت الجولتان دون نتيجة، فيما عقدت جنيف 3 في 29 يناير/كانون الثاني 2016 وتوقفت المحادثات مع حصار النظام لمدينة حلب (شمال). وفي 30 ديسمبر/كانون الأول 2016، تم توقيع اتفاق هدنة بضمانة تركية روسية على أن يتم الانتقال إلى استئناف المحادثات السياسية في جنيف في حال نجاح الهدنة بتخفيف الحرب، وهو ما توافقت عليه الأطراف.
مشاركة :